فتاوى ابن جبرين » العقائد » الإيمان » أركان الإيمان » الإيمان بالله » توحيد الأسماء والصفات » مذهب السلف في الصفات » [ 4513 ] شبهات حول الأسماء والصفات

السؤال

س: لقد روت كتب الصحاح، ولا سيما صحيحا البخاري ومسلم، أحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- مفادها نسبة صفات الموجودات كالوجه والعين واليدين والأصابع والساق والرجل، وكونه عز وجل يضحك وله مكان، وينزل السماء الدنيا، وما إلى ذلك، فسؤالنا: أ ـ كيف تلقى السلف الصالح هذه الأحاديث بالقبول التام، ولم يبحث في سندها أو طريقة نقلها عن النبي- صلى الله عليه وسلم- مع أن جميعها أو أغلبها تدل صراحةً على التجسيم؟ ب ـ كيف أنهم أوجبوا الإيمان بها وإبقاءها على ظاهرها من دون تأويل؟ علمًا أن حملها على ظاهرها يستلزم القول بالتجسيم والتشبيه وهم لا يجوِّزون ذلك (أي التشبيه والتجسيم) بحق المولى سبحانه وتعالى، فكيف أمكنهم الجمع بين عدم التأويل وعدم التجسيم؟ والحال، نحن لا نتصور وجود حالة وسطى بينهما. ج ـ روت كتب الصحاح أيضًا أحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- مفادها إمكان رؤية الله- جل وعلا- بهذه العين الباصرة، وأنه سبحانه يُرى يوم القيامة كما يرى البدر. وبناءً على هذه الروايات فقد اعتقد أكثر علماء السنة ومحدثيهم وأئمة المذاهب الأربعة بأن رؤية الله ممكنة، واعتبروا هذه المسألة من أصول عقائدهم، بل وقد حكم الإمام أحمد بن حنبل على من أنكر رؤية الله تعالى بالخروج من الدين، وأنه كافر ومشرك (تفسير المنار ـ ج9: 135).فسؤالنا: ألا تتنافى مضامين هذه الأحاديث مع منطق القرآن الكريم؟ حيث يقول عز من قائل: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ الأنعام: 103 . قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي الأعراف: 143 . لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشورى: 11 . وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ البقرة: 55 . وهل تتنافى أيضًا مع العقل حيث إن رؤية الشيء هي فرع كون المرئي في جهة معينة، بينه وبين الرائي مسافة تفصل بينهما، وكونهما متقابلين والحال أن هذه الشروط يستحيل تحققها في الخالق سبحانه، لأنها تستلزم أن تكون ذاته المقدسة جسمًا ماديَّا ومتحيزًا، ويحتاج إلى مستقر وجهةٍ، وهذه جميعًا من خصائص الأجسام، وعلماء العامة لا يجوزون التجسيم ولا التشبيه. فإذا كانت هذه الأحاديث متنافية مع القرآن الكريم والعقل السليم، فكيف تم قبولها من دون مناقشة في سندها؟ وهل يكفي في صحتها أنها وردت في الصحيحين؟

الجواب

اعلم أن الأمة الإسلامية من أهل السنة والجماعة رووا الأحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالأحكام والحلال والحرام وأركان الإسلام، والعقوبات على الذنوب وعملوا بها، ووافقهم على العمل بها المعتزلة ونحوهم ورووا الأحاديث في الآداب ومحاسن الدين مرفوعة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وطبقوها لأنها من الآداب الإسلامية، وكذلك رووا الأحاديث التي في البعث والنشور والجزاء على الأعمال، والحساب والصراط، واعتقدوا صحتها وصدقوا بها، ورووا الأحاديث في القصص والتاريخ، وما جرى للأمم السابقة وصدقوا بها، ووافقهم على تصديقها المعتزلة ونحوهم، ولما كان كذلك جاءتهم الأحاديث التي في الأسماء والصفات، وأسانيدها صحيحة ثابتة هي التي تلك الأسانيد رويت بها أحاديث الصلاة والزكاة والصوم والحج، فقبلوها لأنها ثابتة الأسانيد لا فرق بينها وبين أحاديث العبادات من حيث الصحة وقوة الإسناد، فلا عذر لهم في ردها. وأيضًا جاءت هذه الصفات في القرآن الكريم، كقوله تعالى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ وقوله إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وقوله يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وقوله إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ وكذا قال تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي وقال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا وقال: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وقال تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وقال: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ وقال: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وقال: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وقال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وقال: وَجَاءَ رَبُّكَ وقال: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ وقال: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ وقال ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والآيات كثيرة في إثبات الصفات. فالسلف الصالح تلقوا هذه الآيات بالقبول والتسليم، وصدقتها الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، ورأوا أن الأسانيد صحيحة وثابتة وحملوها على ما يليق بالله، ونفوا عنها مشابهة المخلوقين، وأنكروا على من يدعي أنها صريحة في التشبيه لأنها صفات الخالق تعالى، والقول فيها كالقول في ذات الله تعالى فإذا قال لنا المعطل: كيف يد الله وكيف أصابعه وكيف قدمه لا نعرف إلا ما يكون في المخلوقين، فإننا نقول له: كيف هو وكيف ذاته، إذا كنت تثبت لله تعالى ذاتًا حقيقية، فإذا قال: لا نعلم كيفية الذات فإنا نقول: ولا نعلم كيفية هذه الصفات، لكنا نتحقق أن لله تعالى ذاتا حقيقة وصفات حقيقية تقصر أفهامنا عن إدراكها، ولا يجوز لنا البحث عن كيفياتها، ولا يجوز تأويل الآيات والأحاديث مع كثرتها وتنوع دلالاتها، فإنَّ فَتْحَ باب التأويل يدخل معه المعتزلة في تأويل أسماء الله، والفلاسفة في تأويل آيات البعث والجزاء في الآخرة، والقرامطة وأهل وحدة الوجود في تأويل آيات الصلاة وأركان الدين، فلا يبقى لنا دين ندين به. فلذلك يجب علينا أن نتقبل هذه الأدلة، ولا نسلط عليها التأويل الذي هو من تحريف الكلم عن مواضعه، وأما التجسيم فهي كلمة مبتدعة لا يجوز إثباتها ولا نفيها، فلا نقول: إن الله جسم أو إنه ليس بجسم لأن الكلمة مبتدعة، بل نقول إن الله تعالى له ذات حقيقية، وله صفات حقيقية تليق بذاته، منزه عن صفات النقائص وعن صفات المخلوقين، وبذلك نبرأ من طريقة الممثلة الذين يعبدون صنمًا، ومن طريقة المعطلة الذين يعبدون عدمًا، ولذلك قال نعيم بن حماد (( الممثل يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، والموحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا ))، وأما أحاديث رؤية الله عز وجل فقد أثبتها أهل السنة لقول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وقوله: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ في صفة أهل الجنة، وقوله عن أهل النار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فدل على أن المؤمنين لا يحجبون عن ربهم، فقد دل القرآن على ما دلت عليه الأحاديث في إمكان الرؤية. ومن الأدلة قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أي لا تحيط به إذا نظرت إليه، فإن الإدراك أمر زائد على الرؤية، فإنا نرى القمر ولا ندرك ماهيته، فكذلك المؤمنون يرون الرب تعالى بأبصارهم ولا يدركون كنهه، ولذلك قال رجل لـ ابن عباس ((كيف نفعل بهذه الآية: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فقال ابن عباس ألست ترى القمر، قال: بلى قال: أَكُله؟ قال: لا قال فذلك الإدراك )) يعني أنك لا ترى القمر كله وإنما ترى منه ما يقابلك ولا تدرك مادته هل هو من حجارة أو من تراب، فدل ذلك على أن هناك فرق بين الرؤية والإدراك، ومن الأدلة أن موسى قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ولا يقال إن علماء المعتزلة أعلم بربنا من نبي الله ورسوله موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليمًا وناداه وأسمعه النداء، ولما طلب الرؤية قال له: لَنْ تَرَانِي يعني في الدنيا، لأنك بشر ضعيف لا تثبت لرؤية الله، ولهذا تجلى ربه للجبل، وإذا جاز أن يتجلى للجبل جاز أن يتجلى لعباده في الآخرة، عندما يقويهم ويعطيهم قدرة يتمكنون بها من الثبات لرؤية الله تعالى، فأما في الدنيا فإنهم عاجزون عن الثبات لرؤية الله تعالى، ولهذا لما قال اليهود: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أخذتهم الصاعقة لأنهم تشددوا وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً . ومعلوم أن أهل الدنيا لا يثبتون لرؤية الله تعالى في هذه الحياة لضعف بنية البشر، فأهل السنة يعتقدون أن رؤية الله في الآخرة واقعة كما وَعَدَ بها المؤمنين، ولا يلزم منها محذور، ولا يقولون إن فيها تشبيهًا، بل يقولون: إنه تعالى يتجلى للبشر على ما يليق به، وأما قولهم إنه في جهة أو بينه وبينهم مسافة فإن هذه تقديرات لا دليل عليها ولا يلزم أن تكون ذات الله المقدسة مشابهة لذوات المخلوقين، ولا حاجة إلى أن يقال إنه في جهة أو إن الله متحيز وما أشبه ذلك من تقديرات أهل الكلام، ونحيل القارئ إلى كتب أهل السنة التي ذكروا فيها دلالات الآيات ودلالات الأحاديث وناقشوا فيها أدلة المعطلة وتقديراتهم، ككتب الإمام أحمد /و ابنه عبد الله و الخلال و اللالكائي و البربهاري و ابن أبي عاصم و الدارمي و القاضي أبي يعلى و ابن قدامة و ابن أبي العز في شرح الطحاوية، و ابن كثير في التفسير، و البغوي في تفسيره، و ابن تيمية و ابن القيم و الحافظ الحكمي وغيرهم من الذين حققوا الكلام وناقشوا أدلة المعطلة، وأبطلوا شبهاتهم. والله أعلم. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

ملخص الفتوى

س لقد روت كتب الصحاح ولا سيما صحيحا البخاري ومسلم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مفادها

عدد المشاهدات

904