فتاوى ابن جبرين » الآداب الشرعية » آداب المعاملة » حق الرحم والقرابة » [ 2579 ] حكم من أصله ويعرض عني هل يعرضني بذلك للذنب

السؤال

س: هناك مشكلة حصلت في عائلتنا، وهي: أن عمي لا يريد رؤية أخي الأكبر أبدًا، ولا يريد أن يلتقي معه في أي مكان، ومَنَعَ زوجته وأولاده من الاجتماع بزوجة أخي، أو دعوتها، أو استقبالها، أو الذهاب إليها في بيتها، وقطع على نفسه عهدًا ألا يزور بيت أخي، وأن لا يستقبله في بيته، حتى المناسبات التي يقيمها أبي لا يحضرها لوجود أخي، وإن سألت يا شيخ عن دواعي هذه المقاطعة، فهي عدة مواقف قديمة حصلت، وكان المخطئ فيها أخي، ولا أُنْكِرُ ذلك، حتى أخي لا ينكر ذلك، لكن مرت عدة سنوات رجع فيها أخي إلى صوابه، وحاول تحسين علاقته بِعَمِّي كثيرًا، وللأسف عمي لم يتجاوب، وأصر على استمرار المقاطعة، رغم تفاهة الأسباب. أخي يا شيخ رجع إلى طريق الحق، وبدأ خوفه من التسبب في قطيعة لا يُحْمَدُ عقباها يُقْلِقُهُ، وما زال يحاول الاتصال بِعَمِّي، ودعوته إلى بيته بين الفينة والأخرى، ويتجاهل تصرفاته المؤلمة.. لكن عمي -أسأل الله له الهداية- لم يَرْعَوِ، وللأسف أن عمي هذا إمام مسجد، ومتخرج من كلية الشريعة، وليس بالصغير السفيه، بل كُنَّا نعتبره قدوة، وقد توقعناه يُعِين على التواصل والبر، لكن صدمنا بتصرفاته التي ليس لها مُبَرِّرٌ سوى أمور تافهة جدًا!! كان بإمكان الزمن أن يمحوها بكل سهولة، وما يزيد الألم ألمًا أن كل العائلة صامتةٌ، تقف موقف المتفرج. وإن سألتَ عن أبي، فهو يا شيخ مستاء جدًّا، ويكره القطيعة، وكذلك والدتي. والسؤال: هل سكوتنا على هذا الأمر، وترك عمي وشأنه، وتجاهل أمره يُكْسِبُنَا ذنبًا؛ لأننا -نحن وأخي- حاولنا في إعادة الأمور إلى مجاريها، لكن دون جدوى؟ وهل من نصيحة خاصة تقدمها لعمي؟

الجواب

... وبعد: فإن هذا التَّهَاجر مُحرَّمٌ شرعًا إذا كان على أمور دُنْيَوِيَّة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقاطعوا، ولا تهاجروا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يَحْقِرُهُ، ولا يخذله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعْرِضُ هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وورد أيضًا أنه يُغْفَرُ في ليلة القدر لكل المسلمين، إلا أربعة: مُدمن الخمر، وقاطع الرَّحِم، وعاقٌّ ومُشاحِنٌ. وأنه تُرْفَعُ أعمال العباد في يوم الإثنين والخميس إلا الْمُتَشَاحِنَيْنِ، فيُقال: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا. وقال بعض العلماء في نصيحة له: إياك والقطيعة؛ فإني وجدت القاطع ملعونًا في ثلاثة مواضع- يعني: قول الله تعالى: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وقوله تعالى في سورة الرعد: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ وقوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ وقد ورد في الحديث: لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم ـ وذُكِرَ أن أبا هُريرة رضي الله عنه ـ دخل مجلسًا، فوجد فيه شابًّا قد هجر أحد أقاربه، فقال: والله لا يؤويني وإياك سقفٌ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم والرحم هم: الْقَرَابَةُ، كالْإِخْوَةِ، وبنيهم، والأعمام، وبنيهم، فإن لهم حقَّ الصلة والزيارة والصداقة، وفيهم تُضَاعَفُ الصدقات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وَصِلَةٌ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب صلة الرحم، وأن الله يقول: "أنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِمَ، وشققت لها من اسمي، فمن وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قطعها قطعتُهُ ورُوِيَ أن الله قال للرحم: "أَمَا تَرْضَيْنَ أن أَصِلَ من وصلكِ، وأقطع مَنْ قَطَعَكِ؟ وذُكِرَ أنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بالعرش، تقول: "مَنْ وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. وهكذا ورد فضل صلة الرحم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أَحَبَّ أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنْسَأَ له في أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ والأدلة على ذلك كثيرة، وعلى المسلم أن يتغاضى عن أقاربه، ويَغْفِرَ زلاتهم، ويستر هفواتهم، ويقبل أعذارهم، ويرجع إلى رُشده، ويقبل توبة قريبه إذا ندم من خطئِهِ ، واعترف بِزَلَّتِهِ ، وتراجع عن مظلمته، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. ومن علم الحق، ولم يرجع إليه فذنبه كبير، والواجب على أقاربه أن ينصحوه، ويُحذروه من هذه القطيعة، لعله أن يَرْعَوِي، والله يهدي من يشاء، والتائب مِنَ الذَّنْبِ كمن لا ذَنْبَ له. والله أعلم. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

ملخص الفتوى

س هناك مشكلة حصلت في عائلتنا وهي أن عمي لا يريد رؤية أخي الأكبر أبدا ولا يريد أن

عدد المشاهدات

479