فتاوى ابن جبرين » الآداب الشرعية » آداب المعاملة » العلم » أحكام العلم » فقه الاختلاف » [ 4514 ] فقه الخلاف

السؤال

س: هناك بعض المسائل الخلافية بين العلماء كمسألة التصوير بالفيديو أو الاستماع إلى الأناشيد أو التمثيل وما شابه ذلك، وانطلاقًا من هذا الخلاف نجد فئة من أهل الخير تؤمن بحرمة ما ذكر آنفًا، والمشكلة أن بعض هؤلاء يحمل على إخوانه الذين يرون بالجواز، ويقعون في أعراضهم وينتقصون دينهم، ويغلظون عليهم القول، والسؤال يا شيخ: ما هو المنهج الصحيح في التعامل بين الإخوان في مثل هذه المسائل الخلافية؟

الجواب

هذا الخلاف صدر عن اجتهاد من الفريقين الذين أباحوه والذين حرموه، وذلك أن هذه المسائل محل اجتهاد والمجتهد فيها له أجر إذا أخطأ مع غفران خطيئته، والمصيب له أجران، حيث إن كلَّا منهما عنده أدلة ومبررات وتعليلات تكون حجة له، وتؤيد موقفه، فالذين منعوا التصوير استدلوا بأحاديث الوعيد على التصوير والتي فيها أن المصورين ظلموا فقال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي هل يخلقون ذرة أو يخلقون برة أو يخلقون شعيرة ونحوه من الأحاديث، وأجاب الآخرون بأنها في حق الذين يرفعون أنفسهم ويضاهئون خلق الله، ويدعون أنهم يخلقون مثل خلق الله، والتصوير الموجود غالبًا لا يقصد به مضاهاة خلق الله، وقد يكون فيه فائدة كموعظة وتذكير وتصوير أشياء واقعية، من نظرها يعتبر ويتفكر، ويحصل له رجوع إلى الله ورحمة بعباد الله، ولأن هذه الأجهزة مما أطلع الله عليها العباد في هذا الزمان وأقدرهم على صنعها، ولأن الكفار يستعملونها في دعوتهم إلى الضلال والكفر وعيب الإسلام، فمن الأولى استعمالها في نصر الإسلام وبيان محاسن الدين حتى لا يستغلها الأعداء في الصد عن دين الله تعالى، فإذا استعملت في الخير كان في ذلك فائدة، وكما تستعمل سائر المستجدات كالإذاعات المسموعة والمرئية التي يستغلها الكفار في الدعوة إلى دينهم، فالمسلمون أولى بأن يستغلوها فيما ينفع الإسلام وأهله. وأما الأناشيد فقد انتشرت أشرطة مسجل فيها قصائد بأصوات مثيرة للانتباه، فإذا كانت تلك القصائد تشتمل على معانٍ مفيدة كتعليم للأحكام ووعظ وإرشاد ودعوة إلى الله، وحث على العلم والعمل، وتحذير عن المعاصي، وترغيب في الخيرات، وكان القارئ لم يستعمل التغنج ولا التلحين ولا التطريب الذي يلحقها بالأغاني، فإنها مفيدة ولو قرأها بترنم وترقيق صوت ومد حروف ونحوها، فإن لم تكن كذلك فلا يجوز استماعها لدخولها في اللهو وضياع الأوقات أو دخولها في الأغاني المحرمات. وأما التمثيل فإنه يجوز إذا كان هادفًا وفيه تنبيه للحاضرين على أمور واقعية يُحذر الناس من سماعها أو من الانخداع بها، وقد أكثر الله في القرآن من التمثيل كقوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وغيرها من الآيات، فلو أن إنسانا مثل ذلك بأن كان معه جماعة في ليلة مظلمة في شعب فيه أشجار وحجارة فاستوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها أطفأها، فإن من معه يكونون في ظلمة يتعثرون في تلك الحجارة والأشجار، فيكون هذا مثل المنافقين، ولا يمنع من هذه التمثيلات كونها غير واقعية، فإن كثيرًا من أمثال القرآن والسنة قد يقال إنها ليست واقعية وإنما أريد بها تنبيه السامعين وتحذيرهم من الانخداع بهذه الدعايات المضللة، والذين منعوا التمثيل قالوا إنه كذب وإنه قد يعلق هذه الأمثلة على بعض الأموات أو الغائبين، والجواب أن الحاضرين يعلمون أن هذا مثال، وأنه لا يضر أولئك الذين تمثل بهم تلك الواقعة. وإذا كان كذلك فلا يجوز إثارة الخلاف ولا يجوز طعن الإخوان في أعراض إخوانهم والتغليظ عليهم، فمن اقتنع بجواز هذه الأمور الجديدة فإنه يعمل بها ويحرص على حسن النية، ويحرص على أن يستفاد منها، ومن أنكر ذلك فيعزر إخوانه المجتهدين ولا يغلظ عليهم بالسب والإنكار والتخطئة والتحذير منهم، فإنه بذلك يقع في أعراض إخوانه الذين لهم أهداف سامية، ولهم اجتهاد يبرر عملهم، فيجب تحقيق الإخوةبين المسلمين، ويجب الحرص على الفائدة مع من كانت، واستعمال الوسائل الجديدة في دعوة الناس وتعليمهم إذا اقتنع الداعية بذلك، ولكل مجتهد نصيب. والله أعلم. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

ملخص الفتوى

س هناك بعض المسائل الخلافية بين العلماء كمسألة التصوير بالفيديو أو الاستماع إلى الأناشيد أو التمثيل وما شابه

عدد المشاهدات

730