فتاوى ابن جبرين » الآداب الشرعية » آداب المعاملة » العلم » أحكام العلم » فضل العلم » [ 6750 ] طلب العلم
السؤال
- س: قد كان الشيطان دائمًا ما يُلقى في مُخيلتي وفي عقلي حقيقة لا يختلف عليها اثنان ألا وهي: العلم بحر لا ساحل له! يخاطبني الشيطان بصريح العبارة ويقول: إلى أي مدى ستصل إليه في هذا الساحل، ثم إذا وصلت ما الذي سيكون وإذا وصلت ماذا سيحدث. يخاطبني الشيطان ويقول: جاء في الحديث عن جابر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على شيئًا أأدخل الجنة؟ قال نعم رواه مسلم يخاطبني الشيطان فيقول: ثم ماذا بعد القراءة ثم ماذا بعد التقييد ثم ماذا بعد البحث ثم ماذا بعد حضور الدروس ثم ماذا بعد شراء الكتب ثم ماذا بعد تحضير المواضيع ثم ماذا بعد حفظ شيئًا من المتون ثم ماذا بعد إلزام النفس بأمور لم يكن لها سابق عهد في الخوض فيها ثم ماذا... ثم ماذا... ثم ماذا؟ يخاطبني الشيطان فيقول: أحرص على الأذان وحافظ على الصلوات واقرأ في الزهد والترهيب والترغيب واجعلها قراءةً وعلما حرا لا تقييد ولا إلزام ولا تعسير للذهن والتفكير. (انتهى الحوار مع الشيطان ثم جاء الشيخ فقال اليوم: إذا لم يجد طالب العلم مؤسسًا نفسه من صغره أو من طلبه للعلم على الحفظ والاستذكار للمحفوظ بثبات وإلا فستجده لا يعي ولا يعرف إلا جمعًا من المعلومات المبعثرة من هنا وهناك. وهذا هو الحال الذي أعيش فيه: لا حفظ ولا ثبات في الحفظ، كل ما في الأمر معلومات من هنا وهناك تشوبها ويخالطها أقذار كل نفس. عليه سأتفرغ للقراءة الحرة للمتعة فقط. وسأجعل هذه القراءة حيثما شئت وبلا تقييد حتى يُحدث الله بعد ذلك أمرًا.
الجواب
- فإن الإنسان يولد جاهلا
ويرزقه الله سمعًا وبصرًا وعقلا، ويكلفه أن يتعلم حتى يزيل الجهل الذي هو وصف
له ذاتي، وليس عليه أن يحيط بكل المعلومات ويقرأ كل الفنون، وإنما عليه أن
يبدأ بالأهم فالأهم ويتعلم ما ينفعه سواء في المدارس والجامعات أو في
الحلقات والمحاضرات والندوات أو من الكتب والرسائل أو من الأشرطة
والإذاعات، وعليه أن يأتي الأمور من مبادئها فيهتم بالعقيدة والتوحيد ويحفظ
بعض المتون في ذلك ويقرأ شروحها، وكذا يقرأ في النحو والصرف واللغة ما يقيم
لسانه ويفهم معه كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل
العلم ويحفظ المتون المختصرة في ذلك، ويقرأ شروحها حتى يفهمها، وكذا يقرأ
في كتب العبادات والمعاملات التي هو بحاجة إلى العمل بها في حياتها؛ فإنه
مكلف بالطهارة والصلاة والزكاة إلخ، ويحتاج إلى بيع وشراء ونحو ذلك مما هو
مضطر إليه. وعليه أن يتعلم من ذلك ما تمس إليه الحاجة من البيوع المحرمة
حتى يتجنبها وحتى يستفاد من عمله فيها وهكذا بقية العلوم الحكمية في كتب
الفقه والحديث، وعليه أن يحفظ من المتون أقربها تناولا وأسهلها فهمًا. وهكذا
يتزود من علوم الآداب والأخلاق ويقرأ في كتب السيرة والتأريخ للعبرة
والاتعاظ ونحو ذلك. فأما حديث جابر فهو صحيح وهو حجة في طلب العلم فإن
الصلاة المكتوبة وصوم رمضان تحتاج إلى تعلم الكيفية وما تتم به الصلاة وما
يشترط لها وما يبطلها وما يلحق بها من السنن والمندوبات والمكملات، وهكذا
قوله وأحللت الحلال وحرمت الحرام هو بحاجة إلى تعلم الكسب الحلال وما يترتب
عليه وما يكره فيه وتعلم الحرام وأسبابه وأمثلته. ولا شك أن ذلك يحتاج إلى
وقت طويل في التعلم من أفواه المشايخ ومن بطون الكتب ولا يحصل ذلك بمجرد
الفهم والإلقاء في الروع. أما قوله: ثم ماذا بعد القراءة ثم ماذا بعد البحث
إلخ. نقول إن القراءة تفيد العلم ويحصل بعدها فوائد جمة ثابتة تزيد في
المعلومات، ولا شك أن البحث في الكتب عن المسألة وتتبع مواضعها يفهم منه
معرفة حكمها وكلام العلماء فيها حتى إذا جرت على الإنسان عرف كيف يتخلص
منها. ولا شك أن تقييد الفوائد سبب في مراجعتها وبقائها في الذاكرة والعلم
بما تحويه، وكذا يقال في حضور الدروس في المدارس والحلقات حيث يحصل للدارس
مسائل يتزود منها خيرًا وتزيد معلوماته يوميا أو أسبوعيا بحال يجعل المتخلف
والمشغول بحاجة نفسه، ولا شك أن الكتب العلمية التي تعب العلماء في جمعها
وتنقيحها وتحريرها وبذلوا فيها جهدهم يحصل بها فوائد جمة لمن قصد الاستفادة
وأعطاها حقها من القراءة والمطالعة. وأما تحضير المواضيع فيحتاج إليه من
يعد بحثًا خاصا أو يلقي درسًا أو محاضرة فهو يحضر بأن يقرأ ويطالع المراجع
حتى يتأكد عند الإلقاء من صحة ما ألقاه وجواب ما يسأل عنه. وأما حفظ المتون
ففائدته كبيرة حيث إنه يستحضر الجواب من ذلك المتن عند البحث فيه أو العمل
بمسألة فيعرف الحكم ويتذكر سفر العلماء على ذلك من حفظه. فأما الإكباب على
قراءة كتب الزهد والترغيب والترهيب فهو مفيد في بعض الأحوال لكن لا بد قبله
من معرفة الأحكام والواجبات والمحرمات وأمور العقائد ونحوها حتى يكون
الإنسان على بصيرة من أمره. والله أعلم. ,
أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -
ملخص الفتوى
- س قد كان الشيطان دائما ما يلقى في مخيلتي وفي عقلي حقيقة لا يختلف عليها اثنان ألا وهي
عدد المشاهدات
- 446