فتاوى ابن جبرين » العقائد » الإيمان » مقتضيات الإيمان » من مقتضيات الإيمان الولاء والبراء » [ 5304 ] النهي عن موالاة الدول الكافرة ضد الدول الإسلامية بأي أشكال الموالاة
السؤال
- س: في ظل الحرب الراهنة والدائرة بين التحالف المكون من الولايات المتحدة وبريطانيا ومن عاونهم ضد العراق هناك رأيان: الرأي الأول يقول: أن هذه حرب ظالمة يشنها الكفار على ديار المسلمين لنهب ثرواتهم واستغلال أراضيهم لتهديد جيرانهم، وهي في مجملها حرب صليبية يراد منها إضعاف المسلمين ومسح هويتهم الإسلامية، ويرى أصحاب هذا الرأي أن التعاون مع هؤلاء المعتدين هو تعاون على الإثم والعدوان، وقد يصل إلى حد الكفر، لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وأنه يجب على المسلمين أن يقفوا صفا واحدا تجاه عدوهم، ويصدعوا بالحق، وأن كل مسلم يراق دمه في العراق ظلما يتحمل وزره من قام به ومن آزره وأيده ولو بكلمة، وذلك لحرمة دم المسلم. الرأي الثاني يقول: أن النظام البعثي نظام كافر يفتك ولا يزال منذ أكثر من ثلاثين عاما في حق شعبه وجيرانه، وأن خطره على شعبه وجيرانه أعظم من خطر الكفار الأصليين الذين يعدون بنظام ديمقراطي حر بعد ذهاب هذا النظام، ويرى أصحاب هذا الرأي أن الدماء التي تراق من الشعب العراقي هي أقل مفسدة من وجود هذا النظام الدموي الذي ضيق عليهم معايشهم وحياتهم، ويستدلون بفتوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز الاستعانة بمشرك ضد النظام البعثي الكافر، وذلك في حرب تحرير الكويت والسؤال: 1- أي الرأيين يدين به المسلم ربه وتقوم عليه الحجة الشرعية؟ مع ذكر أدلة الترجيح أحسن الله إليكم. 2- هل يجوز للمسلمين في هذه الحال أن يعملوا مع الجيش الأمريكي بمهمات قتالية؟ 3- هل يجوز أن يعقد المسلم مع الجيش الأمريكي عقودا مدنية تعينه على أداء مهامه، مثل بناء الطرق والمباني وتزويدهم بأصناف الطعام والشراب وعمل مترجم لهم وسوى ذلك؟ 4- ما موقف المسلم إذا كان ولي الأمر في بلده يساهم في هذه الحرب فعليا بإيواء جيش التحالف وتقديم الخدمات له في أرضه، والتأليب على نظام البعث في العراق وسوى ذلك؟ 5- ما وصيتكم أثابكم الله للمسلمين عموما وللشباب المتحمس خاصة في مثل هذه الأحوال، فإنها قد اختلفت الآراء واضطربت الرؤى، وأصبح المسلمون يتطلعون إليكم في ترجيح الصواب، وبيان السداد من الرأي، والعمل بما تقولون به أنتم العلماء، الذين جعل الله عليكم هذه المسؤولية العظيمة في توجيه الأمة وهدايتها إلى الرشاد والصواب. وجزاكم الله خيرا.
الجواب
- لا شك أن هذا التحالف
من أمريكا وبريطانيا لم يقصدوا به نصر الإسلام ولا إذلال من أذل الإسلام،
ولو كان قصدهم القضاء على النظام البعثي، لاستطاعوا أن يقتلوا حاكم العراق
دون أن يدمروا البلاد، والذي يظهر من أهدافهم أنهم قصدوا الاستيلاء على
ثروة البلاد، لما فيها من المعادن الثمينة والوقود وسائر الممتلكات، ولهم
قصد آخر وهو الاستيلاء على البلاد التي تجاورها بلدة بعد بلدة، ودولة بعد
أخرى، ليستغلوا ثروات هذه البلاد وخيراتها، لما وقعوا في شيء من الضائقة،
أرادوا أن يستبدلوا ذلك بخيرات هذه البلاد، وأظهروا خداعا أن قصدهم القضاء
على الإرهاب كما يُعَذِّرون ولهم فيها مآرب أخرى، ومن مآربهم التمكين لدولة
اليهود، والتي هي في الحقيقة دولة أمريكية تدعم من النصارى من نحو ستين سنة
أو أكثر، تمدها أمريكا بالذخائر والقوات والأسلحة، وتهدد من حولها بألا
ينصروا المسلمين المستضعفين فيما بين اليهود، وقد ضربت الذلة على من حول
اليهود، وصاروا ينصرون اليهود، ويمنعون من يمد المسلمين بقوة أو أسلحة.
فعلى هذا نجزم أن هذا التحالف لم يقصد إذلال النظام البعثي، ولا القضاء
عليه، ولا نصر الإسلام، ولو كان هذا هدفهم، لمكنوا للمسلمين من أهل السنة
أن يظهروا شعائر دينهم، وأن يعملوا بالأحكام الإسلامية، والواقع ضد ذلك،
فعلى هذا نقول:
إن الواجب على المسلمين جميعا التحذير من هذه الدول الكافرة، وعدم نصرهم أو
تمكينهم من أية بلاد إسلامية فلا يعملون مع الجيش الأمريكي ولا يسهلون لهم
الطرق، ولا يعقدون معهم عقودا مدنية تعينهم على أداء مهماتهم، ولا يفتحون
لهم الطرق والمباني، ولا يزودونهم بالطعام والشراب، ولا يترجمون لهم بكيفية
العمل، وينصحون ولاة أمورهم ويحثونهم على عدم المساهمة في هذه الحروب بألا
يؤووا جيش التحالف، ولا يقدمون لهم الخدمات، بل لا يخافونهم وإنما يخافون
من الله، كما قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
فمن خاف الله تعالى خاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: نصرت بالرعب مسيرة شهر أي أن
الله تعالى يلقى الرعب في قلوب أعدائه ولو كان بينه وبينهم مسافة طويلة،
وهكذا يكون أتباعه، فلا يخافون إلا من الله تعالى، وقد جاء في الحديث
القدسي أن الله يقول: (( وعزتي وجلالي لا يعتصم عبد من عبيدي بي أعرف ذلك
من نيته فتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من بينهن فرجا ومخرجا، ولا
يعتصم عبد من عبيدي بغيري أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده
وأسخت الأرض من تحت قدميه ولا أبالي بأي واد هلك)) ولا شك أن ما حصل على
دولة العراق من تسليط هذا العدو ودكه البلاد، وهدمه المعاقل، وقتله لكل من
وصلت إليه أسلحته، فإنه بسبب الذنوب، فإن هذه الدولة كانت قديما معقل
الإسلام، ومستقر الخلافة، ثم في هذه القرون المتأخرة تمكن فيهم مذهب
الرافضة الذين يُكفِّرون الصحابة، ويلعنون الخلفاء الثلاثة، ويكفرون أفراد أهل
السنة، ويشركون بالله، كما يفعلون في النجف وكربلاء
وهكذا ظهر فيهم النظام البعثي الكافر، الذي لم يزل يفتك بالمسلمين من أكثر
من ثلاثين عاما، والذي تعدى على جيرانه وهدد الآخرين، فسلط عليهم من هو
أقوى منهم، فقد جاء في الحديث القدسي: (( إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من
لا يعرفني ))، وقال الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ
وجاء في القرآن قول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ
كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
وفي الحديث: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
فوصيتنا للمسلمين عموما وللشباب المتحمس أن يصلحوا أنفسهم، وأن يصلحوا
بلادهم، وأن يعملوا الصالحات ويتركوا السيئات، وأن يقوموا بنصر الله تعالى
وبنصر دينه، وبنصر عباد الله المتقين، وأن يحذروا من كيد الكفار ومكرهم،
وقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى
فعليهم أن يتجردوا من الأهواء والمضلات، وأن يقصدوا الدار الآخرة، وأن
يتوبوا إلى الله من السيئات والمخالفات، وأن يتناصروا فيما بينهم، وبذلك
ينصرهم الله ويخذل عدوهم، حتى يتحقق قول الله تعالى: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا
والله أ'علم.
,
أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -
ملخص الفتوى
- س في ظل الحرب الراهنة والدائرة بين التحالف المكون من الولايات المتحدة وبريطانيا ومن عاونهم ضد العراق هناك
عدد المشاهدات
- 691