فتاوى ابن جبرين » أصول الفقه » الإفتاء والاستفتاء » التساهل في المفتي » [ 10069 ] التصدي للفتوى

السؤال

نريد منكم نصيحة لبعض الأخوة هداهم الله الذين يتسرعون في الفتاوى وهم لم يحصلوا على الأهلية التي تجعلهم يفتون في المسائل الشرعية، وبعض هذه المسائل تحتاج إلى مزيد بحث ومراجعة لكلام أهل العلم فيها ويقول بعضهم في هذه المسائل المطروحة للنقاش (إن هذه المسألة لا تحتاج إلى هذا الأمر) يعني بذلك مراجعة أهل العلم في هذه المسألة، مع أن الغالب من يقول هذا القول لا يُعْرَف بكثرة مجالسته لأهل العلم ولا بالاطلاع المتواصل لكلام العلماء مما قد يوقعهم في القول على الله بلا علم الذي هو من أكبر الكبائر. وهناك بعض الأخوة هداهم الله إذا حصل نقاش في أمر من أمور الدنيا واختلف الآراء فيه وطلب منه إبداء رأيه في هذا الأمر قال (في المسألة قولان) يقول هذا من باب المزاح ويقصد من هذا إضحاك الحاضرين في ذلك المجلس الذي حصل فيه هذا النقاش، وفي هذا القول منه استعمال لكلام أهل العلم في غير موضعه مما قد يؤدي إلى قلة هيبة الناس لكلام العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، فما نصيحتكم لهؤلاء أيضًا، وجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب

لا يجوز التسرع بالفتوى سيما في المسائل التي تحتاج إلى بحث واستدلال والتي لم يرد فيها نص صريح ودليل صحيح والتي يقع فيها خلاف بين المذاهب فإن التسرع في الفتوى في هذه المسائل خطره كبير وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أفتى بغير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه يعني إذا تسرع وأفتى وليس هو من أهل العلم وعمل المستفتي بفتواه الخاطئة فإن المفتي يتحمل الإثم. وقد ورد وعيد شديد في النهي حتى جاء الحديث بلفظ : أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار . وذكر بعض العلماء أن الفتيا بغير علم أكبر من الشرك لقول الله تعالى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ولقد كان الإمام أحمد رحمه الله يتوقف كثيرًا في المسائل التي لها أحكام ولا يجزم بالفتوى ويستدل بقوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فعلى طالب العلم أن يتورع عن الفتيا بغير علم أما إذا عرف الحكم وجزم به اعتمادًا على الدليل أو على قول مشاهير العلماء أو وجده منصوصًا في مؤلفات العلماء الموثوقين فإن له أن يقول به ويعزوه إلى مرجعه ليسلم من العهدة. ثم ننصح أولئك المتسرعين الذين يجزمون في الحكم بقولهم (في المسألة قولان) فكثير ما تعلق هذه الكلمة بقلوب السامعين فيجري ذكرها في مجلس أخر فيجزم السامع بأن فيها قولان اعتمادًا على تلك الكلمة التي سمعها في المجلس القديم والتي تكلم بها قائلها بقصد التفكه أو التهكم فيتحمل القائل الإثم حيث إن أهل المجلس الثاني إذا ذكرت فيه فقد يعلمون أو بعضهم بأحد القولين وقد لا يكون صحيحًا فنقول لا بد من التثبت وعدم إلقاء الكلام على عواهله فإنه يترتب عليه أعمال خاطئة يتحملها ذلك المفتي فعلى المسلم ألا يتسرع بالكلام في ذلك وأن يرده إلى أهله حتى لا يقعوا في هذا الخطأ الكبير فإن هناك علماء يرجع إليهم في المسائل الخلافية والاجتهادية وهم مع ذلك يردون كثيرًا من المسائل ولو كانت واقعية فيتوقفون عن الجواب فيها حتى ذكر أن رجلا سافر إلى المدينة من بلاد بعيدة بأربعين مسألة فألقاها على الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة فأجاب على أربع مسائل وتوقف عن البقية بقوله: لا أدري. وذكر عن بعض العلماء أنه قال من أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله وذكروا أن لفظة لا أدري نصف العلم. أخذ ذلك الناظم فقال:ـ *وقـل إذا أعيــاك ذاك الأمــر * *مــا لي بمـا تســأل عنه خـبر * *فــذاك شـطر العـلم فـاعلمنه * *واحــذر هـديت أن تـزيغ عنـه * فإذا كان هذا عمل أكابر العلماء فإن المبتدئين أولى بأن يتحرجوا عن المسائل التي لا علم لهم بها، وقد كان كثير من مشاهير العلماء إذا سئلوا عن مسألة قالوا للسائل:ـ هل وقعت هذه المسألة؟ فإذا قال: لم تقع. قالوا: أعفنا عنها، فإذا وقعت أعاننا الله على جوابها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثرة المسائل ويقول : إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وينهى عن الأغلوطات فعلى المسلم تجنب هذه المسائل وليعط القوس باريها. والله أعلم. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

ملخص الفتوى

نريد منكم نصيحة لبعض الأخوة هداهم الله الذين يتسرعون في الفتاوى وهم لم يحصلوا على الأهلية التي تجعلهم

عدد المشاهدات

221