استحسان العامي الأحكام فيما اختلف فيه الفقهاء

فتاوى ابن جبرين » أصول الفقه » الإفتاء والاستفتاء » استحسان العامي الأحكام فيما اختلف فيه الفقهاء

تضارب الفتاوى بين العلماء حول الحكم الفقهي وفقه الواقع والسائغ من ذلك والممنوع


س: تضاربت الفتاوى في هذا العصر بين العلماء مما قد يثير في نفوس بعض الناس الشكوك حول الحكم الفقهي، وبعضهم يرجئ هذا التعارض إلى "فقه الواقع" أو إلى "التيسير" في الفتوى ونحو ذلك، وآخرون يرجئون ذلك إلى الالتزام بالنص. كيف يمكن لنا أن نفهم ونميز اختلاف التنوع من اختلاف التضاد ومخالفة النص مع أن كثيرًا من النصوص محتملة للاختلاف في الفهم ؟
الاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة [رحمهم الله تعالى] سببه الاجتهاد في الوقائع والحوادث، فيفتي العالم بما ظهر له ويغيب عنه الدليل في تلك الحال، أو لا يكون في المسألة نص، أو يوجد في الباب أحاديث بينها شبه تخالف فقد ذهب مالك إلى أن المصلي لا يقرأ البسملة سرًا ولا جهر، وقال الإمام أحمد يقرؤها سرًا، وعند الشافعي الجهر بها ولكل منهم أدلته واجتهاده، وقد ثبت عن كل واحد منهم الرجوع إلى الحق بقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ونهوا عن تقليدهم إذا اتضح أن الدليل مخالفًا لأقوالهم، وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة بعنوان: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) بين فيها عذرهم، واعتذر عن بعضهم في مخالفته لشيء من الأدلة، ولكن أتباعهم من المتأخرين تعصبوا في التزام المذهب والتمسك بما نص عليه متبوعهم مع وضوح الأدلة المخالفة لهم، وتكلفوا بتأويل النصوص ورد دلالتها فهم غير معذورين، وكان الواجب عليهم قبول الحق والعمل به والاعتذار عن إمامهم الذي لم يبلغه الدليل فاجتهد برأيه وله أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور، ولا يسوغ اتباعه في الخطأ، فإن كان الاختلاف في هذا الزمان في المسائل الاجتهادية فكل منهم له اجتهاده كما في زكاة الحلي المستعمل والقراءة خلف الإمام وحكم المسح على الجوارب وطواف الوداع للعمرة والإفطار بالحجامة وعلة ربا الفضل وخيار المجلس والولاية في النكاح وحكم طلاق البدعة وما أشبه ذلك، وإن كان الخلاف في المسائل المستجدة فنرى عدم التساهل فيها كالتقريب بين الأديان وموالاة المبتدعة والتشبه بالكفار في الأقوال والأعمال وإباحة الاختلاط والحكم بالقوانين الوضعية والتساهل في إقامة الحدود، فلا يجوز العمل بفتوى من أباح شيئًا من ذلك بعذر فقه الواقع أي: مجاراة الناس والتنزل على رغباتهم والترخيص لهم فيما يهوونه مما هم عليه، ولو خالف النصوص. وهكذا يعلل الذين يتساهلون في إباحة الكثير من المحرمات والتهاون بها معتذرين بأن في المنع منها تشديدا وتنفيرا عن قبول تعاليم الإسلام؛ لأنه يمنع من التوسع في ما تجدد في هذا الزمان كالأغاني ومشاهدة الصور عبر الشاشات واستقبال ما تبثه القنوات الفضائية وتصفح المجلات المليئة بالصور الخليعة والمقالات المضلة؛ لاعتبار أن ذلك ونحوه من الترفيه عن النفوس والتسلية وشغل الوقت الطويل بمشاهدة المباريات واللاعبين ولو كانوا شبه عراة، ولا شك أن هذه الأفعال محرمة؛ لأنها وسيلة إلى فعل المحرمات وتعاطي الدخان والمسكرات والاحتيال في فعل الجرائم وارتكاب الحيل في الاختلاس والسرقة والزنا والفواحش، وقد نص الفقهاء على أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فلا يجوز الإفتاء بإباحتها بعذر التسهيل على الناس، فإن نصوص الشرع صالحة لكل زمان ومكان فلا يجوز إبطالها لهذه المبررات الوهمية. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

أخرى ...