فتاوى ابن جبرين » أصول الفقه » الإفتاء والاستفتاء » شروط المفتي
لا يتصدى للفتوى إلا من كان أهلا لذلك
س: حين يمكن الله لرجل في العلم يرى
الناس فيه الخطيب والواعظ والمدرس، وعلى هذا الأساس قد يعاملون الخطيب أو
الواعظ على أنه العالم المفتي وليس ذلك بغريب منهم بقدر غرابته حين يصدر من
بعض المتعلمين، فهل من توجيه ؟
لا شك في كثرة الفنون، وتنوع المعلومات، وأن الهمم تختلف، ولذلك نشاهد
الجامعات ممتلئة، فهؤلاء يميلون إلى الأحكام، وعلم الحلال والحرام، وهؤلاء
يفضلون التخصص في علم العقائد، والفرق والمذاهب المعاصرة، وآخرون ميلهم إلى
علوم اللغة والتراجم والتأريخ والأدب، وآخرون ميلهم إلى العلوم الآلية
والرياضيات ونحوها ثم إن العامة إذا لقوا من جاوز المراحل الدراسية، وحاصل
على درجة عالية، اعتقدوا فيه الأهلية لكل ما يتجدد من الوقائع، ورجعوا إليه
في حل المشاكل، فرضوا بحكمه في الفصل بين المتخاصمين، ورجعوا إلى قوله في
الأحوال الشخصية، وطلبوا منه الجواب فيما يدور حولهم من الوقائع العلمية،
سواء كانت تتعلق بالعبادات، أو بالمعاملات، أو بالأنفس أو بالأموال، ثم
تراه يتجاوب معهم، وينصب نفسه للإفتاء والتعليم، ويجيب على كل ما يوجه إليه
من أسئلة تتعلق بالتوجيه، أو بالآداب أو بالسنة، أو بالتفسير، أو بالأحكام،
رغم قلة معلوماته في أكثرها.
ويحمله على ذلك الخجل من رد الجواب، أو التوقف عن الفتيا مخافة الوصمة
بالنقص، أو الرمي بالجهل، حيث أنه في مكانة مرموقة، ومنزلة من العلم رفيعة
عند العامة، فهو يفتي بغير علم، ويتصدر للجواب، وهو بعيد عن الصواب، ولا شك
أن هذا عين الخطأ، وأن الجواب عليه أن يحيل هذه المسائل إلى أهلها، ويعطي
القوس باريها، فإن من العلم أن يقول: الله أعلم. وقد قال بعض العلماء: من
أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله، وقد قال بعض الشعراء في الحث على العلم وآداب
التعلم:
*وقـل إذا أعيــاك ذاك الأمـر *
*مـا لـي بمـا تسـأل عنه خبـر *
*فـذاك شـطر العلـم فاعلمنـه *
*واحـذر هـديت أن تـزيغ عنـه *
*فربمــا أعيـا ذوي الفضـائل *
*جـواب مـا يلقـي من المسائـل *
*فيمسـكوا بالصمت عـن جوابه *
*عنـد اعـتراض الشك في صوابه *
*ولو بكـون القـول فـيه مــن *
*فضــة بيـض عنـد النـاس إذا *
*لكـان الصمـت مـن عين الذهب *
*فافـهم هـداك الله آداب الطـلـب *
وقد ذكر بعض العلماء أن التدخل في ما لا يعنيه من القول على الله بلا علم،
وجعلوه أعظم إثمًا من الشرك، لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وهذه المحرمات مرتبة على الترقي من الأخف إلى الأشد، فدل على أن القول على
الله بلا علم أعظم إثمًا من الشرك، ولقد كان العلماء الأجلاء يتوقفون عن
الكثير من المسائل، كما ذكر ذلك في الشعر المذكور، وقد نقلوا عن مالك إمام
دار الهجرة ـ رحمه الله تعالى ـ أنه سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع
منها، وتوقف عن الباقي وقال للسائلين: اذهبوا فقولوا: إن مالكًا يقول: لا
أدري. وكان الإمام أحمد كثيرًا ما يتوقف عن الأجوبة التي تعرض له، ويستدل
بقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ
.
ثم نقول: على الجمهور أن يرجعوا في مسائلهم ومشكلاتهم إلى أهل العلم
الصحيح، وأن يمتثلوا قول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
فأهل الذكر هم حملة على الشريعة الذين توغلوا في علم الأحكام، وبحثوا في
مسائل الحلال والحرام، وقد يسر الله الاتصال بهم بأسهل الطرق، فقد تقاربت
البلاد ويسر الله المواصلات السريعة التي تقطع المسافات البعيدة في زمن
قصير، كما يسر الاتصال الهاتفي للقريب والبعيد، وتيسر الرجوع إلى الفتاوى
المطبوعة والمسجلة، والرجوع إلى الإذاعة الإسلامية، سيما برنامج (نور على
الدرب) وما أشبهه، فعلى هذا لا يجو لغير العالم بالأحكام التدخل في أجوبتها
ولو كان واعظًا، أو خطيبًا أو مدرسًا أو داعية، حتى يطلع على العلوم الشرعية،
ويعرف الحق بدليله، ويعرف الراجح من المسائل الخلافية ويتصور أسباب الخلاف
بين المذاهب والعلماء كي لا يجوز للعالم الرباني أن يكتم العلم، ويتوقف عن
الجواب الذي يعرفه، فقد ورد الوعيد الشديد على كتمان العلم، وأن الذين
يكتمونه يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، و من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم
القيامة بلجام من النار ولا يجوز للعامة الرجوع إلى حملة الشهادات التي لا
تؤهل للفتيا في المسائل الخلافية، كمسائل الطلاق، والتيمم ومسح الجوارب،
ومفطرات الصائم، وواجبات الحج، ونحوها، بل يوجهون هذه المسائل إلى أهل
التخصص والمعرفة بها، ليصدروا عن علم ويعملوا على بصيرة. والله أعلم .
,أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -
أخرى ...
العجلة في الفتوى وشروط المفتي
س ألا ترون أن سرعة إطلاق الأحكام أدت إلى نفور الناس من الفتوى وتفلتهم من الانصياع لها بالإضافة
المفتي والصدع بالحق
س هل يتحمل المفتي جزءا من المسئولية عن خفة الالتزام بأحكام الشرع ؟ ولم؟
الإفتاء بغير علم
س هناك رجل يفتي ويقول قال بعض العلماء كذا وهو غير عالم فهل يجوز ذلك؟