فتاوى ابن جبرين » أصول الفقه » الاجتهاد » العمل بالاجتهاد في الحوادث
ضابط استعمال قاعدة إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال
س: ما ضابط استعمال قاعدة
(إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال)، وحجيَّة الصحابي إذا لم يُعلم له مُخالف؛
فإنا نجد بعض أكابر العلماء يجعلون حجة في موضع دون الآخر، مع عدم العلم
بمخالفٍ له؟
يُراد بالاحتمال ما يصرف ذلك الدليل عن ظاهره إذا كان له احتمالان، ولكن إذا
كان أحد الاحتمالين ضعيفًا فإنه لا يبطل به الاستدلال، فإن كثيرًا من الأدلة
تسلط عليها المُخالفون وتأولوها بتأويلات بعيدة ليبطل الاحتجاج بها عليهم،
ففي بعض العقائد يجعلون لها مُقدرًا كقولهم وَجَاءَ رَبُّكَ
أي جاء أمره، فهو احتمال بعيد وكقوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ
أي قدرته وهو احتمال بعيد، وكتفسيرهم الغضب بإرادة الانتقام، والاستواء
بالاستيلاء، وما أشبه ذلك، وهكذا في الفروع كتأويلهم نقض الوضوء بلحم الإبل
باحتمال أنه منسوخ بترك الوضوء مما مسَّت النار، وأشباه ذلك في الفروع كثير،
فأما إذا كان الاحتمال قويًا فإنه يُضعف دلالة تلك القاعدة أو ذلك النص، ومن
أمثلة ذلك القول بنقض الوضوء من مس الذكر أو من مس المرأة بشهوة أو بغيرها
لقوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ
فإنه يحتمل أن المس هو الجماع فيبطل الاستدلال بظاهرها كما يقول به الشافعية.
وأما قول الصحابي فيجوز خلافه إذا وُجِدَ دليل يُخالفه من الكتاب والسُنَّة أو
خالفه صحابي آخر، أو عُرف أنه مُجرد اجتهاد بدون دليل أو أنه مأخوذ من
الإسرائيليات، مع أن كثيرًا من العلماء لا يقبلونه مُطلقًا لأنه اجتهاد فردي،
ولكن الراجح هو العمل بأقوال الصحابة التي لم يُخالفهم فيها من هو مثلهم ؛
لأنهم شاهدوا التنزيل وصلوا وصاموا خلف النبي- صلى الله عليه وسلم- وتعلموا
منه الكثير، فلأجل ذلك ذهب كثير من الأئمة إلى الاحتجاج بأقوالهم إذا لم
يُخالفها أقوى منها.
,أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -