فتاوى ابن جبرين » معاملات » منازعات » القضاء » أركان القضاء » ركن القضاء الخامس القاضي » تغير اجتهاد القاضي
القاضي يحكم بما يخالف ما يفتي به
س: هل يسوغ للقاضي أن يحكم شرعا بحكم يخالف
ما يفتي به، كأن يحكم على من طلق ثلاثا بلفظ واحد بإيقاعه ثلاثا، ثم يفتي
في موضعٍ آخر بأنها إنما تقع واحدة، أخذا برأي بعض المحققين من أهل العلم،
علما بأن الحالتين السابقتين تدونان في محضرين معدين لهما، ويصدران من
المحكمة؟
يجوز ذلك، سواء كان بلفظ الحكم، أو بلفظ الإفتاء، أو مختلفين، وذلك أنه قد
يرى في بعض الأحوال، أو لبعض الأشخاص القول بالأشد، والاحتياط إذا رأى
تساهلا، أو عبثا بالحدود، ثم يشدد إذا رأى أيضا: اندفاعا، أو إهمالا، أو
تلاعبا، فإن عمر - رضي الله عنه- إنما جعل الثلاث ثلاثا، لما رأى من الناس
توسعا، واستكثارا من إيقاع الطلاق، فأمضى الثلاث عليهم، وقد وافقه الجمهور:
ومنهم ابن عباس الذي روى الحديث المرفوع: أن الثلاث كانت تجعل واحدة، ثم إن
شيخ الإسلام ابن تيمية إنما أفتى بجعل الثلاث واحدة، لما رأى من الناس
توسعا في استعمال المحلل، حيث قد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المحلل،
والمحلل له، وسماه التيس المستعار، فأفتى بجعلها واحدة، وخالف الإجماع، أو
الاتفاق في ذلك للمصلحة، وقد صح عن عمر - رضي الله عنه- أنه أفتى في
الجارية، أولا بإسقاط الإخوة الأشقاء، ثم شركهم مرة أخرى، وأنه أفتى: بأن
الجد يسقط الإخوة، ثم شركهم معه مرة أخرى، ونحو ذلك من المسائل.
وكتب في حديث أبي موسى في التعليم بكيفية القضاء قوله: ولا يمنعك في قضاء
قضيته، ثم راجعت فيه نفسك وهديت إلى رشدك أن تراجع الحق، فالرجوع إلى الحق
أولى من التمادي في الباطل، وإن الحق قديم. أو كما قال، وننصح القاضي أن لا
يختلف قضاؤه في المسائل الظاهرة بين الناس، بحيث إذا خالف أمرا مشهورا
متداولا معمولا به في المجتمع، وعليه دليل ظاهر استنكر الناس فعله، وشنعوا
عليه، واستغربوا حكمه، أو فتواه، إلا إذا كان ذلك يخالف الأدلة الصحيحة من
الكتاب والسنة، فإن عليه الجهر بالحق، وبيان الأخطاء الظاهرة التي يتساهل
فيها الناس، ويقلدون فيها الآباء الجهلة، مع مصادمتها للشرع والدين، فإن
بيانها والتنبيه عليها من واجبات العلماء، وقد أخذ الله الميثاق على أهل
العلم أن يبينوا للناس ما نزل الله عليهم، وحرم عليهم الكتمان مجاراة
للناس، وجريا على العادات المألوفة في البلاد، كالحلف بغير الله، والتوسل
بالأموات، واعتقاد نفي الصفات الفعلية، وفعل بعض البدع، كالموالد، ونحو
ذلك. والله أعلم.
,أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -