أن يتصرف الموكل بنفسه فيما وكل به

فتاوى ابن جبرين » معاملات » تصرفات » الوكالة » مبطلات الوكالة » أن يتصرف الموكل بنفسه فيما وكل به

مال لا يعرف صاحبه


س: إن مشكلتي هي في مبلغ من المال لا أستطيع أن أحدد صاحبه. ولنبدأ القصة من أولها: تبدأ هذه القصة من عشرين عامًا بإحدى القرى المصرية، عندما طلب محمد الحناوي وهو محامٍ من قريتنا، يسكن في مدينة القاهرة طلب من أبي معوض مصطفى أن يبحث عن مشترٍ لقطعة أرض من أطيانه بالقرية التي نقيم بها، ولقد طلب من أبي بالذات لعدة أسباب، أولها: الصداقة الحميمة التي تجمعهما منذ سنوات عديدة. وثانيها: ما عُرِفَ عن أبي رحمه الله تعالى من صدق وأمانة وقول الحق دائمًا. وثالثها: أن أبي كان قَيَّاسًا يقيس المساحات المباعة من شخص لآخر. قام أبي معوض مصطفى بعرض قطعة الأرض على مَنْ يجد فيهم استعدادا ماديا لشراء هذه القطعة من الأرض الزراعية. وأول هؤلاء صديق لأبي اسمه عبد الوارث وهو زوج أخت محمد الحناوي وظل أبي يُلِحُّ عليه لشراء هذه الأرض لعدة أسابيع، إن لم تكن شهورًا و عبد الوارث يرفض أن يشتريها. ثم جاء شخص آخر اسمه فهمي وقال: إنه على استعداد لشراء قطعة الأرض مشاركةً مع صهره، وعرف عبد الوارث بذلك، وظل على رفضه شراء الأرض المذكورة. هنا يجب أن أوضح وأؤكد على شيئين مهمين: الأول: أنه ليس هناك علاقة ودية بين محمد الحناوي و عبد الوارث رغم علاقة النسب الموجودة بينهما. الثاني: أن هذه القطعة من الأرض لا تجاور أية أملاك لعبد الوارث ولكن عُرض عليه شراؤها، لأنه -فقط - ميسور ماديًّا، وصديق لأبي. المهم قام فهمي وصهره ببيع كل ما يملكون، حتى منزل أحدهما تم بيعه ليتمكنا من تدبير المبلغ المطلوب لشراء قطعة الأرض، وذهبا مع أبي لصاحب قطعة الأرض محمد الحناوي بمنزله بمدينة القاهرة لشراء قطعة الأرض بالثمن الذي تم تحديده مسبقًا وهو (18000) ثمانية عشر ألف جنيه مصري. تم دفع مقدم الثمن "كما هو متبع دائمًا" وهو (4000) أربعة آلاف جنيه مصري. وتم تحرير العقد كامل البنود، الذي ينص على أن البائع قد تسلم ثمن الأرض كاملًا. ووضع العقد أمانة مع أبي معوض مصطفى ووكل البائع محمد الحناوي أبي معوض مصطفى باستلام باقي المبلغ (14000) أربعة عشر ألف جنيه مصري من المشتري فهمي وإعطائه عقد البيع في مدة أقصاها شهر واحد من تاريخ تحرير العقد. وعادوا إلى القرية التي عرف معظم أهلها بكل هذه التفاصيل، وأولهم عبد الوارث الذي يجاور المشتري في المسكن. بعد ذلك بأسبوعين حضر أحد أبناء عبد الوارث إلى القرية وأقنع أباه بأنه قد أخطأ لعدم شرائه قطعة الأرض، ثم ذهبا إلى البائع محمد الحناوي بمنزله بالقاهرة وبعد مداولات بينهم طلب البائع محمد الحناوي وهو بالمناسبة محام، طلب منهم أن يدفعوا له بقية ثمن الأرض حتى يضمن حقه كاملًا، على اعتبار أنه قد استلم فعلًا مقدم الثمن من المشتري الأول فهمي قبل أن يحرر لهم عقد بيع آخر. كما طلب منهم أيضًا (1000) ألف جنيه مصري لإرضاء المشتري الأول فهمي عندما يضطره للتنازل عن العقد الذي تم تحريره له أولًا، والموجود أمانة مع أبي معوض مصطفى وعلى ذلك فقد باع محمد الحناوي نفس قطعة الأرض مرتين، بعقدين لشخصين مختلفين في نفس الوقت، هما فهمي المشتري الأول و عبد الوارث المشتري الثاني. وأيضًا عرف كل أهل القرية بذلك، فقام المشتري الأول فهمي بتدبير باقي ثمن الأرض المتفق عليه، وهو (14000) أربعة عشر ألف جنيه مصري بعد أن باعوا كل ما يملكون، وأحضروا هذا المبلغ لأبي لاستلام عقدهم الموقع مع البائع، وعليه توقيعات الشهود، والموجود مع أبي. كما تم الاتفاق عليه مع البائع عند تحرير العقد، وهم في هذا اليوم لا يملكون أي شيء سوى هذا المبلغ الذي دبروه على وجه السرعة لاستلام عقدهم خلال المدة المحددة. وفعلًا أعطاهم أبي العقد المحرر مع البائع، واستلم منهم باقي ثمن الأرض، كما وَكَّلَهُ البائع بذلك. وأخذ أبي المبلغ وذهب إلى البائع محمد الحناوي بالقاهرة وهنا بدأت مشكلتي: فلقد رفض البائع محمد الحناوي استلام المبلغ، وقال إنه باع الأرض ثانية لعبد الوارث ورفض كل النصائح والتوسلات بأن المشتري الأول فهمي أحق بالأرض، وبأنه الآن في ضرر بالغ بعد أن باع هو وصهره كل ما يملكون حتى يدبروا باقي ثمن الأرض قبل الموعد المحدد، كما تم الاتفاق عليه. وكيف تسمح لنفسك ببيع نفس قطعة الأرض لشخصين مختلفين؟ ولكن محمد الحناوي المحامي والعالم بثغرات القانون رفض تمامًا كل ما قيل، وقال أبي: يجب أن تأخذ باقي ثمن الأرض؛ لأنني قد أعطيت العقد لفهمي المشتري الأول. فَرَدَّ البائع محمد الحناوي أن هذا لا يهمه، لأنه قد استلم ثمن الأرض كاملًا، وعرض أن يرد مقدم الثمن الذي دفعه المشتري الأول فهمي بالإضافة إلى (1000) ألف جنيه مصري نظير إلغاء البيع الذي تم. ولكن المشتري رفض ذلك. وتم تدخل كثير من الوسطاء لكي يتسلم البائع محمد الحناوي باقي ثمن الأرض وهو (14000) أربعة عشر ألف جنيه مصري من أبي معوض مصطفى ولكنه رفض تمامًا استلام المبلغ، وتكرر ذهاب أبي معوض مصطفى ومعه المبلغ إلى البائع الذي يرفض استلام المبلغ، ويعود أبي إلى القرية ومعه المبلغ الذي يرفضه الجميع: فالمشتري الأول فهمي تَسَلَّمَ العقد، وتسلم الأرض أيضًا، ودفع الثمن المطلوب كاملًا. والبائع محمد الحناوي باع الأرض وقبض مقدم الثمن (4000) أربعة آلاف جنيه مصري من المشتري الأول فهمي وباقي الثمن من المشتري الثاني عبد الوارث والمشتري الثاني عبد الوارث ليس له أي علاقة بهذا المبلغ، فلقد اشترى واعتدى على شراء فهمي ودفع للبائع محمد الحناوي مبلغ (15000) خمسة عشر ألف جنيه مصري، واستلم منه عقد بيع، وشهد معه البائع في المحكمة أنه باع له فقط زورًا. أي أن عبد الوارث قد ألحق الضرر بالمشتري الأول. ورفعت القضية في المحكمة. وشهر أبي أن المبلغ وصل محمد الحناوي من المشتري الأول فهمي على اعتبار أن البائع كان قد وَكَّلَهُ أثناء كتابة العقد باستلام المبلغ نيابة عنه، وإعطاء العقد للمشتري، علمًا بأن البائع قد تراجع عن كل ذلك، وشهد البائع محمد الحناوي في المحكمة بأنه باع لعبد الوارث المشتري الثاني فقط، وقبض منه ثمن الأرض كاملًا، رغم أنه قبض المقدم من المشتري الأول فهمي وهو بالمناسبة- أي المشتري الأول- الأحق بالأرض حسب الأعراف الموجودة في مثل هذه البيعات، والتي ما زالت متبعة في كل قرى مصر للآن. المهم أن المبلغ (14000) أربعة عشر ألف جنيه مصري بقي طرفنا منذ عشرين عامًا، ولأننا لا نستطيع الاحتفاظ بهذا المبلغ في منزلنا القروي المتواضع جدًا، فلقد عرضت على أبي أن نضع هذا المبلغ في البنك، وتم وضعه في البنك للآن. بعد سنوات مات أبي معوض مصطفى ومات البائع محمد الحناوي ومات المشتري الثاني عبد الوارث يرحمهم الله جميعًا. وما زالت القضية أمام القضاء، رغم أن المحكمة قد حكمت للمشتري الأول باستلام الأرض منذ الجلسة الأولى، وفعلًا تسلم الأرض وزرعها، والقضية ما بين الاستئناف والمعارضة، ولم يحكم فيها حكما نهائيا حتى الآن. مشكلتي أنا الآن هي هذا المبلغ. لمن يكون؟ ولنحدد أقطاب هذه القضية العجيبة: أولًا: المشتري الأول فهمي وصهره دفعا ثمن الأرض كاملًا وتسلما الأرض. ثانيًا: البائع محمد الحناوي باع الأرض وتسلم ثمنها كاملًا. المقدم من المشتري الأول. وباقي الثمن من المشتري الثاني. ثالثًا: المشتري الثاني عبد الوارث ليس لنا أي علاقة به، سوى أنه سبب كل المشكلة، فلم نتدخل له في أي شيء. فهو قد اتفق مع البائع ودفع له مبلغ (15000) خمسة عشر ألف جنيه مصري، وأخذ العقد وصال وجال في المحاكم معتمدًا على قدرته المادية. رابعًا: أبي معوض مصطفى الذي آل إليه هذا المبلغ ولم يجد أي سبيل للتصرف فيه سوى وضعه في البنك. خامسًا: المهم أنا الآن وقد عاهدت الله أن المبلغ الذي تركه أبي بعد وفاته مسئول عنه أمام الله، والآن: ماذا أفعل بهذا المبلغ؟ ومن يستحق هذا المبلغ من أقطاب هذه القصة؟ لأنني ضقت ذرعًا بهذا المبلغ، وبهذه القضية التي لصقت بنا، وليس لنا فيها ناقة ولا جمل!! أفيدونا أفادكم الله. وجزاكم الله خيرًا.
نرى أنه يرد على ورثة عبد الوارث الذي دفع الثمن كاملًا ولم تحصل له الأرض حيث قبضها فهمي وتصرف فيها وهو المشتري الأول. ,


أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -

أخرى ...