فتاوى ابن جبرين » معاملات » أحوال شخصية » الوصية » الآثار المترتبة على الوصية
مسألة في الوصية
س: تُوُفِّي والدي رحمه الله عن ثلاثة أبناء وبنت، وقد أوصى بوصية
هذا نصها:
"أوصي ببيت يعمر من حلالي على الباطن لي في أضحية ووالدته، ولأخيه بينهم
أثلاث كل واحد منهم يخصه من السُبالة ثلث، وأوصى بالخضرية التي عن البيت
شرقًا تابعة له كل واحد يخصه من الخضرية الثلث على يد ابنه علي وابنه
إبراهيم".
والحاصل -حفظك الله- هو أن قامت البلدية بشق طريق بعرض 20 متر، وطول 100
متر تقريبًا، وقامت بتنميته بأكثر من (200.000) مائتي ألف ريال بقليل، يمر
على الأرض التي حُدِّدَتْ فيها الوصية، مع بقاء ما يكفي لبناء الوقف وزيادة،
والموقع بشكل عام غير مرغوب فيه للسكن؛ لأنه يقع بين مزارع، ومعظم أهله قد
انتقلوا إلى الأحياء السكنية.
وعندما أراد الْمُوَكَّلون على الوصية تنفيذها بعد تَأَخُّرٍ دام طويلًا كان سببه
الانشغال بأمور دنياهم، وأيضًا أن الْمُوَصِّي لم يُحدد وقتًا لتنفيذها، اختلف
الورثة اختلافًا متباينًا، ونُجْمِلُ الخلاف فيما يلي:
1ـ يقول أحد الورثة: الوصية المنصوص عليها بيت ونخلة، فَيُبْنَى البيت من نفس
المواد القديمة (الطين والأثل) وقد وُوجِهَ صاحب هذا الرأي بالمعارضة الشديدة،
بحجة أن البناء قد تطور، وأيضًا إذا بُنِيَ بذلك فإن الوقف سيتعطل.
2ـ يقول صاحب الرأي الثاني: يُبْنَى البيت من نفس المواد الحديثة، ونفس
المواصفات الحديثة، وقد عارضه البعض بحجة أن الموقع بشكل عام غير مناسب
للسكن، وأنه عُرْضَةٌ لِلتَّرْكِ والهجر لعدم وجود الولي الصالح القائم عليه، أو
لعدم الرغبة في سكنها.
وقد تكون أيضًا سبب خلاف بين الورثة أو أبنائهم، وأيضًا فالبيت وقفٌ مُدَّتُهُ
محدودة، وسَيُهْجَرُ مثلما هُجِرَتِ الْأَوْقَافُ القريبة والبعيدة. وقال المُعارضون لهذا
الرأي: المسجد أولى من البيت، وأصلح للميت.
3ـ يقول صاحب الرأي الثالث: يُؤْخَذُ تثمين الطريق، ويُبْنَى به مسجدا في أحد
الأحياء السكنية، فعارضه بعض الورثة بحجة أن المسجد عمره محدود، ويُخشى أن
يُهجر مثلما هُجر غيره، وأيضًا إخراج قيمته من ملك الموصي، أو من الورثة، أو
من البلدية قد تكون صعبة؛ لأن المسألة خلافية، ولا بد أن تصل إلى المحكمة،
مما سيكون سببًا في تغيير نفوس بعض الورثة، فيؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم، وهذا
الذي لا نريد.
4ـ صاحب الرأي الرابع يقول: تثمين الشارع يكفي لإنشاء بيت متوسط في الأحياء
السكنية، وبُعدًا عن الخلاف، وبُعدًا عن قطيعة الرَّحِمِ نقوم بالتنازل عن التثمين
للبلدية، ويكون الطريق وقفًا للميت، وقد أيد هذا الرأي بعض الورثة، بحجة أن
هذا الشارع دائم ما دامت الأرض، وأيضًا نسلم على الرحم من القطيعة، وأيضًا
ذلك هو الأصلح في نظرنا. فالْمُؤَيِّد يتنازل عن التثمين، والْمُعَارِضُ يتحمل الإثم.
يرى أكثر الورثة أن الأمر مُعَقَّدٌ، ولا يمكن حله إلا بالرجوع إلى المحاكم؛ لأن
مدة الخلاف طالت جدًّا من موت الموصي إلى لحظة كتابة هذا السُّؤال، ويرى الورثة
أن الرجوع إلى المحكمة فيه سلبيات كبيرة: منها قطيعة الرحم، والأمر الآخر
أن من بين الورثة امرأةً ترفض الحضور إلى المحكمة، وترفض توكيل أبنائها أو
غيرهم، والرجوع إلى المحاكم سيعرضها إلى أمور غير محمودة، مثل إحضارها
بالقوة من رجال الأمن.
(إن قُلتم يا سماحة الشيخ بوجوب تنفيذ الوصية كما هي، فما العمل بالنخلة؟
علمًا بأن البلدية قد أزالتها كما أزالت غيرها).
وبعد إطلاعكم على آراء الورثة حول هذه الوصية، فإننا نتطلع إلى فتواكم التي
سيكون فيها خيرٌ للحي والميت بإذن الله تعالى ، وستكون حاسمة لهذا الخلاف
الذي دام طويلًا.
لا شَكَّ أن الميت قصد استمرارَ الأجر، وثواب الأعمال الصالحة التي تجري له بعد
موته، ولا ينقطع عمله، وهي الصدقة الجارية. وحيث إن الحي السكني الجديد هو
الذي انتقل الناس إليه، وعمروا فيه مساكن، واستقروا فيها، وأن السكن القديم
تحَوَّل عنه أهل البلد، وقلَّتْ رغبتهم في السكن هناك، وأصبحت البيوت فيه خَرِبَةً لا
أحد يرغب فيها، وحيث إن النخلة الخضرية قد قُلِعَتْ، وأن النخل عامة قد قلَّت
الرغبة فيه، وأصبحت ثمرته لا تُساوي ما يُصرف فيه من النفقة، فإننا نقول:
الْأَوْلَى بهذا التعويض الذي صُرِفَ من البلدية أن يُعمر به عمارة في محل من
البلد، أو المُدن يرغب فيه السُّكان، ويحصل له أُجرة يُشْتَرَى منها الأضاحي، فإن
قُدِّر أن البلد ليس بها رغبة، وليس هناك سُكَّانٌ يستأجرون؛ فنرى صواب ما قاله
أصحاب الرأي الثالث، وهو أن يُبنى به مسجد في أحد الأحياء السكنية، سواء في
القُرى أو في المُدن أو خارج المملكة فإن المساجد يجري الأجر لأهلها مُدَّةَ
بقائها والأصل أنها تستمر زمنًا طويلًا عامرة بالمُصلين، فَيَصِلُ الأجر إلى مَنْ
تسبب في عمارتها، أو أنفق عليها.
وإذا وقع الاختيار على إقامة بيت يُعْمَرُ في الحي السكني، فإنها تقدر قيمته مع
أرضه بما يكفي دخله لتأمين الأضاحي سنويًّا، ولو كانت النفقة فيه أكثر من
قيمة البيت القديم مع أرضه، ومن قيمة النخلة مع أرضها، فيبنى بيت متوسط في
الحي بالبناء الجديد بمقدار ثلث التركة أو أقل، فإن احتاج إلى أكثر من
الثلث فلا بد من إجازة بقية الورثة فيما زاد على الثلث، وعليكم أن تُقْنِعُوا
الورثة، وتنصحوهم وترشدوهم ببيان وجوب تنفيذ وصية الميت، وتبرئة ذمتكم من
عدم التنفيذ أو تأخيره، وأن مَنْ منع هذا التنفيذ فقد أساء إلى الميت، وعليكم
الحرص على تنفيذ الوصية في أسرع وقت، وإقناع إخوانكم المخالفين، وبيان أَنَّ
حق الميت مقدم على حقهم؛ لقول الله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وإذا تم شراء بيت، أو محل تجاري بقدر الثُّلُثِ، أو بما دفع من البلدية عن
تعويض الطريق، فإن هذا البيت أو المحل يكون وقفًا تخرج منه الأضاحي، ويرصد
بقية الأجرة لصيانة الوقف، ولتنفيذ الأضاحي إذا تعطل الوقف في بعض السنوات
عن استئجاره، ولا يحل للورثة أن يأخذوا ما زاد على الأضاحي إلا إذا كانوا
فقراء، واشتدت حاجتهم، فلهم أن يأخذوا من أجرة المحل ما يسد رمقهم، وإذا
مات الوصي تعين على الورثة إقامة وصي مكانه من أهل الأمانة والديانة، سواء
من بقية الورثة، أو من أولادهم، وعليكم أن تناصحوا إخوانكم المعارضين،
وتبينوا لهم خطأهم في تأخير توزيع التركة، وإعطاء كل ذي حق حقه، إلا أن
يتفقوا على الشراكة بينهم، وندعو لهم بالهداية والتوفيق. والله أعلم. وصلى
الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
,أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -