فتاوى ابن جبرين » معاملات » أحوال شخصية » الطلاق » حكمة مشروعية الطلاق
هل هناك تعارض بين قول الله وعاشروهن بالمعروف وبين قصة المرأة المختلعة
س: أتت
امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تريد إنهاء زواجها، وأخبرت النبي صلى
الله عليه وسلم أنه ما مِنْ مَأْخَذٍ عندها على شخصية زوجها أو أخلاقه، لكن
مُشكلتها الوحيدة هي أنه لا يعجبها أبدًا، لدرجة أنها لا تستطيع أن تعيش معه
البتة، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم: "أترجعين له حديقته (هدية الزواج
التي قدمها له)؟ قالت: نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يسترد
حديقته، ويقبل بإنهاء الزواج (البخاري) على الرجل ألا يُطلق زوجته لأنه لا
يحبها (كرهها)، فالقرآن يأمر الرجال أن يحسنوا إلى زوجاتهم حتى عندما تفتر
الأحاسيس، أو ينعدم الشعور بالمحبة، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
فالآية تقول بأن على الرجل ألا يُطَلِّق زوجته لمجرد أنه كرهها، ومع ذلك
فالمرأة المذكورة آنفًا فعلت ذلك تمامًا، فهل حقوق النساء في الواقع هي أقوى
(من حقوق الرجال) في هذا الخصوص ؟ وإذا لم يكن الحال كذلك، فأرجو منك توضيح
المسألة التي ظهر لي أنهما متناقضان؟
أباح الله تعالى للرجل أن يُطلِّق امرأته إذا كرهها، إما لسوء خُلقها، أو لعيب
فيها، أو سوء مُعاملتها، أو نحو ذلك، فقال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا
فلا يجوز للرجل أن يمسك امرأته إمساكًا يضرها إذا أخلَّ بشيء من حقوقها، وقال
تعالى: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ
فأباح الطلاق، وأمر بإبقاء المرأة في بيتها حتى تنتهي عدتها، كما أمره إذا
كرهها أن يصبر على ذلك، فلعلها أن تتحسن الأحوال، وأن تتغيَّر مما كانت عليه،
ولذلك قال: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
فأمره بأن يصبر عليها إذا كرهها، أما إذا لم يستطع الصبر، ورأى أن حالتها
معه تزداد سوءًا، فقد جعل الله الطلاق مخرجًا من هذه الأزمات والحالات السيئة
التي تكون بين الزوجين.
وأما قصة المرأة التي طلبت فِرَاق زوجها فهي امرأة ثابت بن قيس بن شماس وذلك
لأنها كرهت زوجها، وقالت: لا أعيبه في دينه، ولكني أكره الكُفر في الإسلام.
أي: أنها تخشى إذا بقيت معه لكراهيتها له أن تُخِلَّ بحقه، أو تقع في ذنب
بمعصيته ومعصية الله تعالى، وهذه الكراهية كراهية طبيعية، لم تستطع معها أن
تبقى معه، فعند ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطَلِّقْهَا
تطليقة وهكذا حصل، ويُسمى هذا الخُلع. فإذا كرهت المرأة خلقة زوجها، أو
أخلاقه، أو نقص دينه، أو خافت بالبقاء معه الفتنة، أو تألمت ببقاء الزوجية،
أو خافت أن تقع في معصية في عدم طاعتها له، أو نحو ذلك، فلا بأس أن تختلع
منه فتُعطيه صداقها أو نحوه، ويحصل الفراق، والله أعلم.
,أجاب علي هذه الفتوى: سماحة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -