الكسب الحلال أهميته - وآثاره

الرئيسية » كتب الفتاوى » الكسب الحلال أهميته - وآثاره





تقديم



تقديم »

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا إصدار جديد من سلسلة (رسائل إرشادية) التي يُصدرها جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، والتي نالت -بحمد الله وتوفيقه- قبول واستحسان الجميع.
لقد حرص الجهاز على انتقاء الرسائل التي تفيد المسلم في ترسيخ عقيدته، وتصحيح عبادته لربه -جل وعلا- وتحقيق ولائه لدينه وولاة أمره ووطنه، ولقد حرصنا أن تكون تلك الرسائل والكتب من تأليف مجموعة من علمائنا الأجلاء، ودعاتنا الفضلاء، من المشهود لهم بالعلم والفضل والصلاح.
ولقد بلغت سلسلة الرسائل الإرشادية (116) رسالة، هذا إضافة إلى ما أصدره الجهاز من مطويات، طبع منها ما يقارب (5.000.000) نسخة، وزعت على منسوبي الحرس الوطني، وكان لها الأثر الطيب بحمد الله.
إن هذه الجهود الطيبة التي يقوم بها الجهاز ما كانت لتقوم لولا توفيق الله -سبحانه وتعالى- ثم دعم المسئولين في الحرس الوطني، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير / عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، الذي يولي هذا الجهاز عناية خاصة بمتابعته الشخصية وتشجيعه المستمر.
ولعلنا لا نذيع سرًّا إذا قلنا بأنه قد تكفل- حفظه الله- بطباعة أكثر من نصف إصدارات الجهاز على نفقته الخاصة، فنسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، كما نسأل الله له ولجميع ولاة أمورنا التوفيق والسداد، ولا ننسى أن نتقدم بالشكر الجزيل لصاحب السمو الملكي الأمير / بدر بن عبد العزيز آل سعود نائب رئيس الحرس الوطني، على دعمه المتواصل للجهاز حيث تكفل -حفظه الله- بطباعة مجموعة من إصدارات الجهاز على نفقته الخاصة؛ وهذا الإصدار الذي بين يديك هو واحد من الكتب التي وجه -يحفظه الله- بطباعتها.
وليس بمستغرب أن يقوم ولاة الأمور في هذه البلاد المسلمة بدعم مثل هذه الأعمال الخيرة والأنشطة الطيبة، فهذا يأتي امتدادا لرسالة هذه الدولة التي تقوم سياستها على خدمة الإسلام والمسلمين.
نسأل الله- عز وجل- أن يحفظ الله البلاد أمنها واستقرارها، وأن يحفظ ولاة أمرها على طاعته- إنه سميع مجيب.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. إبراهيم بن محمد أبو عبادة
جهاز الإرشاد والتوجيه

» العودة للفهرس





تقديم فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين



تقديم فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين »

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فهذه محاضرة تتعلق بالكسب الحلال، وحكم الربا، وبعض أمثلة له، كنت ألقيتها في بعض المساجد ارتجالا، وكعادة الإلقاء هكذا ينقصها التركيز والإيضاح واستيفاء الأدلة، وبيان العلل والحكم كما ينبغي، لكنها -إن شاء الله- مفيدة على حالتها.
وقد سُجلت في حينها، ثم نسخها بعض الإخوان، وهي في طريقها إلى النشر، رجاء أن ينفع الله بها، مع الاعتراف بالخلل والنقص فيها، ومع أن الموضوع قد طرقه العلماء والمشايخ، وكتبوا فيه وأوضحوا المراد، ولكل مقام مقال، والله أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

» العودة للفهرس





المقدمة



المقدمة »

الحمد لله الذي خلق الخلق للعبادة، ونفذ فيهم ما قدَّره وأراده، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
لا شك أن الإسلام قد شمل جميع أمور هذه الحياة، سواء فيما يتعلق بالحقوق الشخصية، أو العبادات، أو المعاملات، ومن المعاملات التي اعتنى بها الإسلام وبيَّن جميع الأحكام المتعلقة بها المعاملات المالية، فبيَّن الجائز منها والممنوع.
والواجب على المسلم ألا يدخل في أي معاملة حتى يعرف حكمها الشرعي، وحتى لا يدخل في معاملات محرمة ذات كسب خبيث؛ مما يؤدي بصاحبه إلى النار!
ومن المعاملات المحرمة التي وقع فيها الكثير من أهل هذا الزمان المعاملات الربوية، ومع الأسف أن نجد البنوك الربوية متمكنة في أوطان المسلمين دون نكير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد أصبح همُّ الكثير من الناس اليوم جمع المال من أي مصدر، سواء أكان ذلك المال من طريق حلال، أو من أي طريق من الطرائق المحرمة، وأصبح الكثير من الناس يرى أن المال يكون حلالا متى حل في يده!! ومهما كان ذلك المكسب خبيثا فإنه لا يراه إلا حلالا، ما دام قد حصل عليه وأمسك به في يده!!
والمسلم في معاملاته المالية ينبغي أن يسير على ضوء الإسلام وعلى ضوء ما حدَّده الله، وبيَّنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال في الحديث: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به .
فينبغي للمسلم أن يتحرز من أن يتعامل مع تلك البنوك، أو يساهم فيها، أو أن يشترك فيها بوجه من الوجوه، حتى يقاطع أهل الشر، وأهل المنكر، وأهل المعصية، هكذا أمرنا الإسلام أن نبتعد عن مواطن المعاصي.
نسأل الله أن يوفقنا إلى التكسب عن طرائق الحلال، ويجنبنا مزالق الشيطان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

» العودة للفهرس





الحث على العمل والتكسب



الحث على العمل والتكسب »

إن الإنسان في هذه الحياة لا غنى له عن المال الذي يقوم بتغذية بدنه، وعفته عن سؤال غيره. وقد جعل الله وجوها كثيرة للتكسب الحلال فأباح كل كسب ليس فيه اعتداء، ولا ظلم، ولا ضرر على الغير، وأباح أنواعا من الاكتساب حتى يجمع الإنسان من المال ما يكون كافيا له في قوته، وقوت من يعوله.
وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على الأمر بتكسب الإنسان وسعيه للمعيشة، وبكف وجهه عن سؤال الناس، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما ورد عنه: لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأتي بحزمة من حطب فيبيعها، فيكف بها وجهه عن الناس، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه . فَحَثَّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث على التكسب، ولكن يريد التكسب الحلال.
ولما كان هَمُّ الناس وشغلهم الشاغل اكتساب المال، فإن منهم من تكون همته في التكسب الحلال، ومنهم من تكون همته في التكسب المشتبه! ومنهم من تكون همته في التكسب الحرام.
فالناس مختلفون في ذلك، فإن وُفِّقَ العبد لحرفة من الحِرَف التي لا شُبهة فيها، يَكُفّ بها وجهه عن الناس، فليحمد الله على ذلك؛ فإن هذا من السعادة؛ لأنه استغنى وتعفف واكتفى بالحلال عن الحرام.


» العودة للفهرس





وجوه التكسب الحلال وشروطه



وجوه التكسب الحلال وشروطه »

وجوه التكسب الحلال كثيرة، منهـا على سبيل المثال: الحراثة، والتجارة، والصناعة، وتربية الدواب والدواجن وغير ذلك.
* فمن الناس من تكون همته في الأرض، فيستثمرها ويغرسها ويجد في ذلك معيشته وكسبه، ويستغني بذلك عن سؤال الناس.
ولا شك أن كسب الحرث يُعَدُّ من أفضل المكاسب، وقد جعله الله تعالى من جملة الحِرَف التي زينت للناس، في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران: 14].
فجعل الحرث من جملة ما زين للناس؛ لأن فيه كسبًا وإنتاجًا ينفع به الإنسان نفسه، وينفع به أيضا غيره، فيأكل ويبيع وينفع الناس، ويزرع الحبوب، ويغرس الأشجار، ويجني الثمار، وإن كان في ذلك كلفة ومشقة فهذا مما يثاب عليه الإنسان إن احتسب أجره، ولا سيما إذا تصدق منه ونفع به غيره.
* ومن الناس من تكون همته في التجارة، ولا شك أن التجارة أيضا من جملة الحِرَف التي يكتسب بها المال، قل أو كثر، والتجارة هي شراء السلع وبيعها لأجل الربح فيها إذا بيعت بثمن يزيد عن قيمتها التي اشتُرِيَتْ به.
وقد ورد ذكر التجارة في القرآن في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا [الجمعة: 11] وقوله: قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ [الجمعة: 11] وقوله: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور: 37].
فالتجارة التي هي البيع والشراء من جملة الحِرف المباحة، ولكن قد يلتبس بها ما يفسدها، أو يدخل الفساد إليها؛ ذلك أن التجار والباعة قد يتعاملون بمعاملات فاسدة، إما ربوية أو غيرها، فتدخل المحرمات في هذه المعاملات!! وهنا تتدخل الشريعة الإسلامية لتبين الحلال والحرام في الحرف.
* وقد أحل الله المعاملات التي ليس فيها ضرر، فقال تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] وقال في آية الجمعة: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9]. فدل على أنه قبل النداء إلى صلاة الجمعة يباح البيع الذي يقصد من ورائه الربح، ثم لا شك أن هذا البيع مع كونه بيعا ليس فيه ربا ولا غش، فإنه قد يدخل فيه شيء يقلل من فائدته الأخروية، أو يدخل عليه فساد أو ضرر!! فلأجل ذلك جاءت الشريعة بمنع البيع بعد النداء الثاني من يوم الجمعة؛ حتى يتفرغ الإنسان للصلاة والذكر.
وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكثير من المعاملات أو المبايعات التي فيها شيء من الضرر على الآخرين، فثبت أنه نهى عن بيع الغرر وذكر أيضا أمثلة أخرى من البيوع التي فيها غرر، فنهى عن بيع كل شيء لم يكن مشاهَدا ومعلوما؛ لما فيه من الغرر، كالذي يسمونه بيع حبل الحبلة وبيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة وبيع ضربة الغائص، وبيع المغانم قبل أن تُقسَم وما أشبهها من المعاملات التي فيها ضرر على أحد المتبايعين.
وما ذاك إلا أن هذا الضرر إذا وقع في هذه المعاملات أحدث الفُرْقَة بين المسلمين؛ لأن هذا الذي خُدِعَ من غيره وأُخِذَ ماله بغير حق يحمل على أخيه ويمقته، ويسيء الظن به ويبغضه، فتقع بين المسلمين المقاطعة والعداوة والبغضاء، فلأجل هذه الأسباب حُرِّمت هذه المعاملات المنحرفة التي فيها ضرر أو غرر، وحرمت أيضا المعاملات الربوية، وتفاصيلها كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وقد أمر الإسلام الباعة ونحوهم بالنصح للمسلمين ونهاهم عن غشهم وخداعهم، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حث على النصيحة فقال: الدين النصيحة، وكررها ثلاثا، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
فجعل من جملة خصال الدين النصيحة لعامة المسلمين، ولا شك أن النصيحة تستدعي إخلاصا، وتستدعي صفاء قلب، وتستدعي مودة، فالناصح هو الذي يحب الخير لإخوانه المسلمين كما يحب لنفسه، ولا يؤثر مصلحته على مصلحة أي مسلم.
وقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- النصيحة من خصال الخير، وأنها من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فقال -صلى الله عليه وسلم- للمسلم على المسلم ست بالمعروف: تسلم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتتبع جنازته إذا مات، وتنصحه إذا استنصحك . وفي رواية: وتحب له ما تحب لنفسك .
فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي هو مرشد الأمة، والذي هو ناصحهم قد حثَّنا على أن يحب أحدنا لأخيه ما يحبه لنفسه؛ فإنه لا تقتصر النصيحة على أمور العبادات أو الأمور الشخصية، بل تدخل في كل شيء، ومن جملة ذلك (النصح في المعاملات)، ولكننا في هذا الزمان نجد خلاف ذلك، فهناك الكثير من الباعة -هداهم الله- لا ينصحون المشتري، ولا يُظهرون العيوب التي توجد في السلعة، فترى أحدهم يُظهر السلعة على أنها جيدة، وهي في الحقيقة رديئة، ولا يخبر برداءتها!
وهذا ليس من النصح، بل من الغش والخداع، وقد حرَّم الله ذلك على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: من غشنا فليس منا وذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- مَرَّ على رجل يبيع طعاما من الحبوب ونحوها، فأدخل يده فيه فأصابت بللا -يعني رطوبة- فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله! -يعني: المطر- قال: هلا جعلته في أعلاه كي يراه الناس؟! من غشنا فليس منا! .
فأمره أن يجعل الطعام الذي أصابه المطر في الأعلى حتى يراه الناس؛ لأنه إذا جعل أعلاه يابسا، ثم عند الكيل أخذ من الرطب، وباعهم إياه، إما كيلا أو وزنا، فإنه يبيعهم شيئا ليس بخالص، وليس بصافٍ، فيكون قد أوقعهم في غش وخداع، وباعهم ما ليس بطيب، أي: باعهم الشيء المغشوش الرديء على أنه جيد!!
وهذا ما يقع فيه كثير من الناس اليوم، ويحتالون بحيل كثيرة ليكتسبوا بها الأموال، فيبيعون مثلا السلع الرديئة غير مبينين عيوبها! ولا شك أن هذا مما يفسد الأموال، ومما يدخل على الإنسان السُّحت والحرام، فعلى الإنسان أن يحرص على طيب مكسبه بألا يدخل عليها إلا كسبا حلالا، فلا يتغذى إلا بالغذاء الطيب، ففي الغذاء الطيب تأثير في العقل، وتأثير في النفس، وتأثير في العبادة، وتأثير في المجتمع.
والغذاء الطيب والمكسب الحلال يكسب القلب قوة، ويكسب القلب صفاء وإخلاصا، كما أن الغذاء الطيب يكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات.
والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به .
والمراد أنه إذا تغذى الإنسان بالسحت، الذي هو المال الحرام بجميع أنواعه، فالنار أولى به والعياذ بالله! وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أسباب إجابة الدعاء إطابة المطعم فقال -صلى الله عليه وسلم- يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
وهذا مُشَاهد، فالإنسان كلما اقتصر على الحلال، وعلى الكسب الطيب، الذي ليس فيه أدناس من الحرام، ولا من المشتبه فإن الله تعالى يجعل دعاءه مستجابا، إن دعى الله برزق رزقه، وإن دعى ربه بكشف ضره كشفه، وإن دعى لنفسه قُبِلَ دعاؤه، وإن دعى للمسلمين استجيبت دعوته.
وهذه كلها من فوائد إطابة المطعم، وأما إذا كان المطعم خبيثا فإن الدعاء مردود!!
وقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثم ذكر -صلى الله عليه وسلم- الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء ويقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟! [رواه مسلم ] .
فتأمل أخي المسلم كيف ذكر -صلى الله عليه وسلم- من أسباب استجابة الدعاء إطالة السفر، فإن المسافر طويل السفر يكون رقيق القلب، ويكون خاشعا متواضعا، وذلك من أسباب إجابة الدعاء، ومع ذلك ما استجيب دعاؤه!!
لماذا؟!!
لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام!!
كذلك وصفه بأنه أشعث أغبر، يعني: متضعف متذلل، ليس له عناية ببدنه، فرأسه قد تشعث، ووجهه قد اغْبَرَّ، وهذا من صفة التذلل، ومع ذلك ما استجيب دعاؤه!! مع أن الله يجيب دعاء خاشع القلب، كما ورد في الحديث الشريف: رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره .
وكذلك من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين، كما يقول -صلى الله عليه وسلم- إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا . أي: خاليتين. ومع ذلك لم يُجَب دعاؤه!! وسبب ذلك خبث المطعم، نسأل الله العافية.
وكذلك من أسباب الاستجابة تكرار النداء: يا رب... يا رب، فهو معترف بربوبية مولاه، وأنه ربه وخالقه ومدبره والمتصرف فيه، ومع ذلك لم يُجَب دعاؤه. وهذا لا شك أنه بسبب أكل الحرام والإصرار على أكله، نسأل الله العافية والسلامة.
فالمسلم يحرص على إطابة مطعمه، حتى تجاب دعواته وتقبل صلواته، وسائر عباداته، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ثم يقول: ألا وإن لكل ملك حِمًى وإن حِمَى الله محارمه .
فنأخذ من هذا الحديث أن المكاسب على ثلاثة أقسام: قسم حلال، واضح الحِلِّ، وقسم حرام واضح الحرمة، وقسم مشتبه، يشتبه على بعض الناس.
فأنت إذا رزقك الله علما وبصيرة عرفت الكسب الحلال؛ لأن الحلال تطمئن إليه النفس، ويطمئن إليه القلب؛ ولأن الحلال آثاره واضحة، وأدلته صحيحة صريحة.
وأما الحرام فهو واضح أيضا، يعرفه الجاهل والعامي، والصغير والكبير، ومع ذلك يأكله الكثير من الناس ويتملكونه، مع علمهم بأنه حرام!!
أما المشتبه فهو الواسطة بين هذا وذاك، ولا يعرفه إلا الخواص من خلق الله، وعلماء المسلمين ومتبصروهم، أما الجهلة وعوام الناس فهم لا يتحققون من أي القسمين هو.
ومن الناس من يقول: إذا لم يكن من الحرام الصريح، فإننا سنأخذه ونتعامل به، ونجعله كسبا ما دامت حرمته لم تتحقق! وأن الأصل الإباحة! وهؤلاء لا شك قد يقعون في الحرام أحيانا.
وقد ضرب لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا بالراعي الذي يرعى غنمه حول أرض قد حماها ملك من الملوك، له سطوة وله هيبة، فهذا الذي جاء يرعى دوابه حولها قد يغفل وقد يسهو وقد ينام، فترتع دوابه في هذا الحمى، فيأتيه حراس الملك، فيقبضون عليه ويصادرون أمواله، وربما حبسوه وضربوه! ويقولون له: لماذا جئت حول هذه الأرض وأنت تعرف أنها حمى لهذا الملك؟!
وهكذا الذي يتعامل بمثل هذه المعاملات المشتبهة، فهو يقع أحيانا في كثير من الأمور المحرمة، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .
ولذا نحث إخواننا المسلمين على أن ينزهوا أنفسهم عن المشتبهات التي يخاف أن تكون وسيلة إلى إيقاعهم في الحرام، فإنهم إذا فعلوا وتنزهوا سلم بذلك دينهم وعرضهم، وهذا معنى قوله: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .
أي يسلم من الوصمة، ويسلم من القدح، ويسلم دينه وتسلم عبادته مما يقدح فيها، ومما ينقصها ويُبطلها أو يُنقص ثوابها.
وأما صيانتك لعرضك، فإنك إذا ابتعدت عن المشتبهات لم يجد الناس طعنا يطعنون به في عرضك، ولم يقدحوا في عدالتك، وسلم أيضا عرضك من الناس، ولم يتكلموا عنك إلا بخير، أما إذا ارتكبت شيئا من المشتبهات فإنك تدعو الناس لسبك وعيبك، والقدح في ديانتك، عن علم أو عن جهل، أو عن تصور خاطئ!!


» العودة للفهرس





من أنواع المعاملات المحرمة الربا



من أنواع المعاملات المحرمة الربا »

عرفنا فى الفصل السابق أهمية الكسب الحلال في جميع المعاملات، وبينا أن المكاسب المحرمة توقع الإنسان في الإثم وعدم إجابة الدعاء وعدم التوفيق؛ لذا كان واجبا على المسلم العاقل التقي أن يبتعد كل البعد عن المعاملات المحرمة والمشتبهة.
ومن المعاملات المحرمة التي جاء القرآن والسنة بحرمتها معاملة الربا، وقد نزلت فيه آيات كثيرة تنص على تحريمه.
فمن الآيات المكية: قوله تعالى في سورة الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ .
ومعنى ذلك أن المرابين إنما يجعلون الأموال في ذمة المدين، ليربو ذلك المال في ذمة المدين، ويربو في أموال الناس، لكنه لا يزكو ولا يكثر ولا ينمو عند الله، بل مآله إلى المحق، ومآله إلى الفشل، ومآله إلى الاضمحلال!!
ومن الآيات المدنية: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران: 130].
ومعنى ذلك أنه إذا كان لإنسان دين عند آخر، فجاء إليه وقال له: أعطني دَيْنِي، فإذا لم يجد مالا قال: أؤخر عليك الدين عاما على أن أزيد فيه، فيزيد في الأجل، ويزيد في المال، فتتضاعف الأموال أضعافا مضاعفة، فإذا استوفاها بعد ذلك فقد أكل الربا أضعافا مضاعفة، وهذا هو المقصود بالربا الجاهلي الذي لا شك في حرمته.
وقد كان اليهود يتعاملون بالربا، وقد عابهم الله بذلك في قوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء: 161]. أي أن الله تعالى قد نهاهم عن أخذ الربا في كتبهم فلم ينتهوا!! فالذين يأكلون الربا من هذه الأمة يكونون سلفا لليهود والجاهليين الذين نزلت فيهم هذه الآيات.
وقد نزلت هذه الآيات في مكة وفي المدينة على فترات، مما يدل على أن الله تعالى نهى المؤمنين عن أكل الربا في كل مناسبة، ومع ذلك بقيت معاملات ربوية بين الناس، وقد نهى الشرع عنها!
وفي آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من آخر ما نزل عليه الآيات التي في سورة البقرة، التي هي تحريم صريح للربا، فقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275].
فمثل لهم الله بهذا المثال القبيح، وهو أنهم إذا بُعثوا يوم القيامة فكأن أحدهم مجنون، كالذي يتخبطه الشيطان من المس وهو الذي يصرعه شيطان الجن، فيقوم أحدهم من القبر، أو يُبعث وهو يُصرع، وكلما قام انصرع وسقط، فلا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس.
وقيل: إنهم يعرفون يوم القيامة بضخامة بطونهم، فتصرعهم تلك البطون، ويسقطون من أجل ما أكلوه، وتلك عقوبة عاجلة قبل الآجلة: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275]. أي: جمعوا بين الأمرين: جمعوا بين استحلال الحرام وأكله! ولا شك أن ذلك الاستحلال كفر! فمن استحل الحرام ولو لم يأكله فإنه كافر!! لأن فعل المعصية يعتبر ذنبا وخطيئة، ولكن أكبر من ذلك وأعظم استحلالها بالفتوى، وإعلان جوازها وأنها حلال، ولا إثم فيها!!
فالذين قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أي: لا فرق بين الربا والبيع، فهذا كسب وهذا كسب، هؤلاء قد أحلوا ما حرم الله، أي أنهم شرّعوا مع الله، فهو تصرف مع الله في الكون، ولا شك أن ذلك كفر.

» العودة للفهرس





وعيد شديد



وعيد شديد »

لقد عذر الله الذين أكلوا الربا فيما سبق، وقال: إذا انتهوا وتابوا فلهم ما قد قبضوه، ولهم ما قد أكلوه، وأما في المستقبل فإن عليهم أن يتوبوا، فإن لم يتب أحدهم فليستعد للعذاب، ومن عاد فأولئك مأواهم النار -والعياذ بالله- قال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275] وهذه عقوبة كبيرة، نسأل الله السلامة والعافية.
ولأجل هذا الوعيد الشديد فقد عد النبي -صلى الله عليه وسلم- الربا من السبع الموبقات فقال -صلى الله عليه وسلم- اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
فهذه هي السبع الموبقات التي هي من كبائر الذنوب، فجعلها موبقات أي: مهلكات توقع في الهلاك والتردي. وقال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276]. والمحق هو قلة البركة، فإن أصحاب الأموال الربوية، ولو ربت أموالهم وكثرت أرباحهم، ولو ملكوا أموالا وتجارات كثيرة، ولو كثر خيرهم ورزقهم ومالهم، فإن قلوبهم ليست غنية، بل لا يزالون يلهثون ويطلبون المال! فكأن قلوبهم فقيرة؛ وذلك من محق البركة: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا أي: يقلل بركته وقيمته في قلوب أهله. وقد يكون المحق حسيًّا، بمعنى أن الربا يصير ماحقا وماحيا للكسب، فيقع صاحبه في الخسران المبين، وكساد التجارة والبوار، وما ذاك إلا عقوبة عاجلة!!
لذا كان الواجب على آكل الربا أن يخاف من هذا الوعيد الذي هو محق البركة، ومحق الرزق.
أما الصدقات فإنه -سبحانه وتعالى- يربيها ويضاعفها، قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ومعنى يربيها: يضاعفها لأهلها، كما فى قوله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]. ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 277، 278].
فأمرهم الله تعالى في هذه الآيات أولا بالتقوى، بعد أن ناداهم بالإيمان، أمرهم بتقوى الله التي هي الخوف منه وتوقي عذابه، ومن أسباب ذلك الخوف من فعل المحرمات، فإن الذي يفعل المحرمات لا يأمن العذاب، فعليه أن يتقي الله، وعليه مع التقوى أن يذر ما بقي من الربا، فيترك الأموال التي بها ربا، الباقية في ذمم الناس، ففي قوله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ أي: اتركوا ما بقي من الربا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: إن كنتم صادقين في أنكم قد آمنتم وصدقتم وابتعدتم عمّا حرَّم الله! فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 279].
روي أنه يقال للمرابي يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله! وماذا يفعل ذلك الضعيف؟! فقد ذكر الله تعالى عن المنافقين أنهم يخادعون الله وهو خادعهم!
فكذلك الذين يحاربون الله ورسوله، إنهم مغلوبون في أية جهة، والله تعالى هو الغالب!
ثم قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 279]. ومعنى ذلك أنك إذا تبت فلك من الآن أن تقتصر على رأس مالك، ولا تأخذ الزيادات -التي هي الربا- ولا تَظْلم ولا تُظلم، فاقتصر على رأس مالك، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ أي: ذلك المدين الذي في ذمته هذا المال إن كان ذا عسرة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ فإذا كان معسرا فاصبر عليه وأمهله حتى يجعل الله بعد عسر يسرا فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ أي: أنظره إلى أن يأتيه اليسر والثروة!
فمثل هذه الآيات في صراحتها يجب أن يتأملها المسلم، وقد أيدتها أيضا الأحاديث الصريحة.

» العودة للفهرس





أنواع الربا



أنواع الربا »

1- ربا الجاهلية
ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه فلعنهم لتعاونهم على هذا الإثم.
* فآكله هو الذي يستجلبه من ذمم الناس ويأكله!
* وموكله هو الذي اعترف به وأعطاه للآكل وأخرجه من ماله.
* أما الكاتب والشاهدان فلكونهما حفظاه وأقراه وهما يعلمان أنه ربا صريح!! فجعلهم كلهم سواء في هذا الإثم، وإن كانوا متفاوتين في العقوبة، لكن سوَّى بينهم في استحقاق هذا الوعيد الذي هو اللعن والعياذ بالله.
فإذا عرف المؤمن أنه مُتَوَعَّدٌ بهذا الوعيد، فعليه الحذر والبعد عن هذا الكسب الخبيث.
وقد وردت آثار كثيرة تدل على شدة إثمه، حتى روي في بعض الأحاديث: درهم واحد من ربا أشد وأعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية . وإن كان هذا الحديث لم يبلغ درجة الصحة، لكنه من جملة الأحاديث التي فيها وعيد شديد، والتي يرويها العلماء، ويحذرون بها من هذه الأشياء التي توقع في الحرام أو تقرب منه.
والربا الذي ذكره الله تعالى هو ربى الجاهلية، وهو زيادة أصل المال الذي في ذمة المدين كلما مر عليه الوقت، فالألف مع مرور الأيام تصير ألفين، وسنة أخرى تصبح ثلاثة، وهكذا حتى يصبح أضعافا مضاعفة، وهذا هو الربا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية، ثم جاء الشرع بتحريم أنواع أخرى من الربا.
2- ربا الفضل نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن بعض المعاملات التي تدخل في الربا، فقال- -صلى الله عليه وسلم- الذهب بالذهب، والفضة بالفضة،... مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء . وفي رواية: مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد . وقال مثل ذلك في البر، والشعير، والتمر، والملح، جعلها كلها ربا وألحق بها العلماء كل ما يشاكلها ويشابهها من المكيلات والموزونات ونحوها!
فقالوا: من باع هذه التي تكال، فلا يبيعها إلا بمثلها دون مضاعفة لئلا يكون داخلا في الربا!
3- قلب الدين بعض الأثرياء إذا كان له دين على فقير ألحّ عليه، وقال: أعطني أعطني! فيضطر ذلك الفقير أن يستدين منه أو من غيره مرة ثانية! وينقلب الدين عليه، فيتضاعف الدين، فيأتي إليه ويقول له: في ذمتي لك مائة ألف -مثلا- لا أقدر على سدادها، فبعني سلعة قيمتها حالة مائة ألف، أبيعها عليك أو على غيرك بكذا وكذا! فيضطره أن يشتري منه سلعة تساوي مائة ألف، بمائة وعشرين ألفا، ثم يبيعها بنقد ويعطيه ثمنها، فيتضاعف من مائة إلى مائة وعشرين!
وهكذا يتضاعف الدين سنة بعد سنة!! وهذا مخالف لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280]. فالواجب إنظار المعسر.

» العودة للفهرس





البنوك الربوية



البنوك الربوية »

وإن مما وقع فيه أهل هذا الزمان كثرة تعاملهم مع البنوك الربوية، وهذه البنوك -لا شك- أنها تتعامل بالربا، ورباها صريح؛ حيث إنك إذا أتيتها تقترض -مثلا- ألف ريال اشترطوا عليك أن ترد هذه الألف، وترد معها مبلغا إضافيا حسب المدة التي تسدد بعدها! وهذا ربا صريح!
ومن هذا أيضا أرباح الأموال التي تودع في البنوك فإنها أيضا ربا! وهو أن تعطي البنك مالا كأمانة، وهم بلا شك يقرضونه لآخر، ويربحون منه ربا، فإذا ردوه عليك، قالوا: هذا ربح ربحناه في تجارتنا وبضاعتنا، ومن جملتها مالك وأمانتك، فيوقعونك فيما وقعوا فيه من أكل الربا!
نقول: إن هذا من جملة ما يوقع في الربا، فعلى المسلم أن يتجنب هذه الأشياء.
وقد يضطر الإنسان -بلا شك- إلى الإيداع في كثير من البنوك، لسبب من الأسباب كسفر، أو خشية سرقة النقود، أو اختلاسها، فيودعها أحد البنوك الربوية، فإذا أودعها للحفظ ونحوه فإنه لا يأخذ عليها فائدة ربوية، وهي التي يسمونها بغير اسمها، بل يقتصر على أخذ ماله، ويبقى ذلك المال الزائد لهم.
وقد أجاز بعض العلماء أخذ هذه الفوائد الربوية من البنوك ولكن لا يأكلها صاحبها، حتى لا يأكل الربا، وإنما يصرفها في وجوه البر، ووجوه الخير!
ولعل هذا قول وجيه بالنسبة للبنوك الكبيرة، وبالنسبة للأموال الطائلة؛ حيث إن هناك من قد يكون عنده مال كثير ولا يستطيع أن يحفظه في بيته، فيودعه أحد البنوك التي تتعامل بالربا، وقد تكون الفائدة على هـذه المبالغ كبيرة أرباحها كثيرة، فإذا تركه لهم -وهم كفار، أو عصاة أو نحو ذلك- فقد يتعاونون به على إضعاف الإسلام، وتقوية الكفر والشرك ونحو ذلك!!
فمن المصلحة أن يؤخذ هذا المال الذي ربحوه عندهم ويصرف في وجوه البر ومصارف الخير، كأن يعطى للمساكين والمستضعفين، ونحو ذلك.
هكذا أفتى بعض المشايخ، واستدلوا على ذلك أن العلماء يصرفون الأموال المحرمة في وجوه البر والخير!
فإذا عثر على بيت فحش وزنا، وفيه أموال، فإن تلك الأموال محرمة -لأنها قد اكتسبت من الزنا وغير ذلك- فإذا عثرنا على تلك الأموال، فماذا نفعل بها؛ هل نردهـا على الزاني؛ لا؛ وذلك لأن الزاني قد استوفى منفعته، فلا نجمع له بين منفعته، وبين ماله، لا يعطى العِوَض والمعوض. وكذلك لا نتركها للزانية، لكونها دخلت عليها من كسب حرام، ولكن نصرفها في وجوه الخير، فتصرف للمساكين، وتصرف في سبيل الله، وما أشبه ذلك.
ولكن لا شك أن الأَوْلى بالمسلم هو البعد عن البنوك الربوية، والإيداع فيها، والتعامل معها، فهناك بنوك إسلامية، معاملاتها سليمة، بعيدة عن الشبهات، وهي تعمل كمضاربة، فتعمل في رءوس أموالها عمل المضارب الذي هو بيع سلع وشراؤها، وكذلك أعمال مصرفية حرة، ليست فيها شبهة، ثم إن كل مساهم يعطى سهما من الربح على العموم، وعلى حد سواء، فمثل هذا لا شبهة فيه ويقوم مقام تلك البنوك الربوية ونحوها.
وكذلك للإنسان أن يعدل عن التعامل مع البنوك الربوية بأغراض أخرى منها:
* استعمال المدخرات الخاصة به بنفسه، كأن يتاجر بها أو يعطيها من يتجر بها من الباعة ونحوهم، وهو ما يسمى بالمضاربة. وهو بذلك يستغني عن إيداع أمواله في تلك البنوك الربوية.
* وللمسلم كذلك أن يساهم بأمواله في شركات إسلامية بعيدة عن الشبهات.
* وله أيضا أن يشترك مع غيره في مشروعات كالمقاولات بتجميع بعض رءوس الأموال لعدد من الأشخاص ونحو ذلك حتى لا يبقى ماله مدخرا بدون فائدة.
نسأل الله أن يجنبنا المكاسب المحرمة، وأن يحفظنا عن الحرام أيا كان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

» العودة للفهرس