فتاوى ابن جبرين » الآداب الشرعية » آداب المعاملة » العلم » أحكام العلم » فضل العلم » [ 7858 ] فضل العلم الشرعي

السؤال

س: فإن فضل العلم الشرعي وطلبه مما لا يخفى على كل مسلم بصير، ومن المعروف أن العلم الشرعي يحتوي على جملة من الفنون والعلوم المختلفة، ولا ريب أن هذه الفنون متفاوتة في الأهمية، والمسلم مطلوب منه إعطاء الأولوية لهذه الفنون بحسب أهميتها وبحسب طاقته وقدراته، ومن العلوم التي حظيت بالاهتمام بفضل الله وتوفيقه علم التجويد، حيث برز كثير من طلبة العلم الفضلاء، الذين يعتنون بقلم (الإسناد) أي تلقي القرآن بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقين هذا الإسناد للطلبة، مع الاعتناء الشديد بمخارج الحروف تفخيمًا وترقيقًا أو ما يُسمى (باللحن الخفي)، فما هي منزلة هذا العلم بين العلوم الشرعية الأخرى؟ وأين يكون ترتيبه من حيث أولوية العلوم وأهميتها؟ وهل النقص في هذا العلم يُعادل النقص في علم الفقه أو الحديث أو غيره؟ ولماذا علماء الأمة المعاصرين لا يعتنون بهذا العلم وإنما يكتفون بقراءة القرآن وحفظه على أشياخهم حفظًا صحيحًا من غير إسناد؟ وبماذا تنصحون طالب العلم المقبل على هذه الفنون ؟

الجواب

فالذي يظهر أن هذا الفن إنما هو تجربة وتدرب وليس هو متلقى بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وقد نعلم يقينًا أن الصحابة لم يعرفوا أقسام المد وأقسام النون الساكنة والتنوين وحروف القلقلة ونحو ذلك وأنهم لم يكونوا يطيلون في القراءة كإطالة القُرَّاء المُعاصرين، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران يقف عند الرحمة ويسأل، وعند آية العذاب يتعوذ ثم ركع نحو قيامه ثم سجد نحو ركوعه ثم صلى الركعات الباقية، فلو كان يقرأ بالتمطيط الذي يقرأ به هؤلاء القُراء لاستغرقت الركعة أكثر من سبع ساعات. فدل على أنه يقرأ بسرعة أو بقراءة متوسطة وما ورد عنه أنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها يراد بالترتيل إظهار الحروف والمد المُعتاد وهو المأمور به في قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وقوله: وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا فكانت معتدلة ليست بالسرعة الشديدة ولا التمطيط الطويل المعروف في هذه الأزمنة، وقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ في صلاة الفجر بسورة البقرة فقيل له كادت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين، ومعلوم أنه لو قرأها كقراءة أهل التمطيط لاستغرقت أكثر من ساعتين فتطلع الشمس وتشرق عليهم، وقد ثبت أن عثمان رضي الله عنه كان يختم القرآن في ركعة كل ليلة غالبًا، أي في نحو سبع ساعات أو عشر على الأكثر، فما ظنك بقراءة أهل التمطيط فأحدهم لا يختمه إلا في نحو أربعين ساعة كما يوجد في التسجيلات وعلى هذا فإنا نقول لا حاجة إلى شدة الاهتمام بهذا الفن وإيلائه عناية كبيرة بل يكفي منه أن يتعلم الفصاحة والنطق بالحروف نطقًا صحيحًا ويجعل جل اهتمامه بحفظ القرآن ثم بتعلم معانيه فالصحابة إذا تعلموا عشر آيات تعلموا معانيها والعمل بها. فنوصي بالاهتمام بمعرفة معاني كلام الله ومدلوله، فأما التجويد والتقعر في مخارج الحروف فإن هذا أمر عادي وطبيعي أنزله الله بلغة العرب فنطقوا به وتعلموه كما يتكلمون بألفاظهم إلا أن الله تعالى أودعه بلاغة وإعجازًا أوقفهم عن معارضته مما أوضح لهم أنه كلام الله تعالى، فأما روايتهم بالأسانيد فلا تصح أسانيدهم بل فيها مجاهيل ولم تسجل ألفاظ أولئك القُراء حتى يتحقق أنهم نطقوا به كما ينطق به هؤلاء، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

ملخص الفتوى

س فإن فضل العلم الشرعي وطلبه مما لا يخفى على كل مسلم بصير ومن المعروف أن العلم الشرعي

عدد المشاهدات

302